غافل غفلته العيش الهنيء في الدنيا.
وأدق الغفلة السكون بما وجد من الحق والوقوف مع مقام الحظ ، فالكل محجوبون عن مشاهدة الأزل صرفا أي : لا تكن مثل هؤلاء الواقفين على مقاماتهم المحجوبين بحظوظهم من أحوالهم.
قال ذو النون : أمر الله تعالى الأغنياء بمخالطة الفقراء والصبر معهم والاستنان بسنتهم.
قال الله : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) (١).
وقال عمرو المكي : صحبة الصالحين والفقراء الصادقين عيش أهل الجنة ، يتقلب من الرضا إلى اليقين ومن اليقين إلى الرضا.
وقال ابن عطاء : خاطب الله نبينا صلىاللهعليهوسلم وعاتبه ونبهه ، وقال واصبر على من صبر علينا بنفسه وقلبه وروحه ، وهم الذين لا يفارقون محال الاختصاص من الحضرة بكرة وعشيا ، فحق لمن يفارق حضرتنا أن تصبر عليه فلا تفارق.
وسئل أبو عثمان عن الغفلة فقال : إمهال ما أمرت به ونسيان تواتر نعم الله عندك.
وقال بعضهم : الغفلة عقوبة القلب ، وهو حجاب عن المنعم.
وقال سهل : الغفلة إبطال الوقت بالبطالة.
وقال الأستاذ قال : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) لم يقل قلبك لأن قلبه كان مع الحق فأمره بصحبة الفقراء جهرا بجهر ، واستخلص قلبه لنفسه سر السر.
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) أمر بالصبر مع الله وأهله وعدم الالتفات إلى غيره ، وهذا الصبر هو من باب الاستقامة والتمكين لا يكون إلا بالله (مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) أي : دائما هم الموحدون من الفقراء.
(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ
__________________
(١) أسند الإغفال إلى نفسه تعالى ؛ والمراد إظهار الغفلة التي جبل الغافل عليها في الأزل ، فإن الاستعدادات والأقضية التي تجرى عليها ليست بمجعولة ، فلا جبر من الخالق للخلق. وقوله : (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) تتميم لاتّباع الهوى ؛ أمر قصدي أولا ، ثم أمر فعلي ثانيا ؛ كالإرادة والدعاء بالنسبة إلى الذكر ؛ لكن قدّم الفعل هناك ؛ وهو الدعاء إشارة إلى الحكمة ، وأخسر هنا إشارة إلى العلم ، فتفطّن لهذه المقام ، والله العلّام.