قيل ، وفتى النفس يقظان ، فأنسى شيطان الوهم الذي زين الشجرة لادم ، ذكر النفس الحوت لموسى ؛ لكون الحال حال ذهول والسبيل المتعجب منه هو السراب المذكور.
(قالَ ذلِكَ) أي : تملص الحوت واتخاذه سبيله الذي كان عليه في جبلّته (ما كُنَّا) نطلبه ؛ لأن هناك مجمع البحرين الذي وعد موسى عنده بوجود من هو أعلم منه ، إذ الترقي إلى الكمال بمتابعة العقل القدسي لا يكون إلا في هذا المقام (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما) في الترقي إلى مقام الفطرة الأولى ، كما كانا أو لا يقصان (قَصَصاً) أي : يتبعان آثارهما عند الهبوط في الترقي إلى الكمال.
(فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥))
قوله تعالى : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا) فيه إشارة خفية إن لله سبحانه خواصا من عبادة ، وهم الذين اصطفاهم لمعرفة ما استأثر لنفسه من علوم الربوبية ، وأسرار الوحدانية ، وحقائق الحكمة ولطائف ملكوته وجبروته ، وهم أهل الغيب وغيب الغيب والسر ، وسرّ السر الذين غيبهم الله في غيبه ، وسترهم عن خلقه شفقة عليهم فيما يظهرون من سر الله ، وهم العباد بالحقيقة الذين بلغوا حقيقة العبودية بحيث جعل الله عبوديتهم محاذيا لربوبيته ، وإلا فالكل عباده من حيث الخليقة لكن هم العباد بالحقيقة من حيث المعرفة ، ولو لا تلك الخاصية المحضة لما قال صلىاللهعليهوسلم : «أنا العبد ، لا إله إلا الله ، أنا العبد بالحقيقة لا غير» (١).
وأي تشريف أشرف لخضر عليهالسلام من هذه الخاصية له سماه عبدا ، ومن بالحقيقة عبده لو لا رحمته الكافية التي سبقت في الأزل لعباده لما يجترئ أحد من خلقه أن يقول : أنا عبدك ؛ لأنه منزه عن أن يعبده الحدثان بالحقيقة.
ووجد العقل القدسي وهو عبد من عباد الله مخصوص بمزية عناية ورحمة (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) أي كمالا معنويّا بالتجرد عن المواد والتقدس عن الجهات النورية المحضة التي هي آثار القرب والعندية (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) من المعارف القدسية والحقائق الكلية اللدنية بلا واسطة تعليم بشري.
وقوله : (هَلْ أَتَّبِعُكَ) هو ظهور أداة السلوك والترقي إلى الكمال (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) لكونك غير مطلع على الأمور الغيبية والحقائق المعنوية لعدم تجرد أو احتجابك بالبدن وغواشية فلا تطبق مرافقتي.
__________________
(١) سبقت الإشارة إليه.