سبحانه بلسانه بأنه مخلوق ، وإن كان متخلقا بخلقه بقوله : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أمره بأن يعرفهم إفراد القدم عن الحدوث بعد كونهم في رؤية عين الجمع فلا يرضى عنهم برؤية عين الجمع ؛ بل يرضى عنهم برؤية جمع الجمع لذلك : (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) أي : من نظر إلى غيره ، وإن كان متلبسا بنوره ملبسا بسنائه فقد أشرك في التوحيد.
لذلك قال عليهالسلام : «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح» (١).
وزاد التأكيد في تقديس الأسرار عن ملاحظة الأغيار في مشاهدة الملك الغفار قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً) أي : من كان من أهل مشاهدة الله ، ورجاء وصوله واليقين في لحوقه إلى قربه فلتكن أعماله في السر والعلانية مقدسة عن نظر نفسه ورؤية أعواضها في قلبه ، والتفات عقله إلى غير الله فالفرد لا ينبغي إلا للفرد ، والفرد يكون بالفرد فردا فمن أفرده الحق يكون منفردا عن غيره لا بغير شيء من الحدثان.
قال الأنطاكي : من خاف المقام بين يدي الله عزوجل ؛ فليعمل عملا يصلح للعرض عليه ، والله عجبت من أقوال مشايخي ـ رحمة الله عليهم ـ في العمل الصالح ، وأين العمل الصالح ، والعمل الصالح ما يصلح للقدم ، وأين الحدث من القدم ؛ حتى يصلح له؟
قال يحيي بن معاذ : العمل الصالح ما يصلح بأن تلقى الله به ، ولا تستحي منه في ذلك.
قال سهل : العمل الصالح المقيد بالسنة ، ثم إن الله سبحانه بين أن ما يكون من الأعمال الصالحة خاصة لوجهة يصير خالصا عن إشارة الأغيار ، وأن يخطر بقلب العامل ذكر الأشياء الحدثانية في مباشرة العمل ، وأي : شرك أعظم من أن يرى لنفسه قيمة عند مباشرة العمل ، فينبغي أن يتفرد بقلبه وسره وخاطره عن أن يكون له نظر إلى وجود ؛ بل يكون فانيا بحقيقة الفناء في بقاء الحق.
قال الأنطاكي : لا يرائي بطاعته أحدا.
قال جعفر : لا يرى في وقت وقوفه بين يدي ربه غيره ، ولا يكون في همة وهمته غيره ، وعجبت من سر التوحيد ؛ لأن الله سبحانه خاطب الخلق من حيث الخليقة لا من حيث الحقيقة ، وأين الحدث؟ وشركه في وجود القدم حتى قال : (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) الأحدية صفة الموحد القديم ، وعبادة اسم الأحد عرف الأسماء ، والصفات خارجة عن العرف ، فإذا كان اسم العدد في الوحدانية معزولا ، فأين اسم وحدة الحدثان في وحدة الحق؟
قال الله سبحانه : (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) [الأنعام : ٩١].
__________________
(١) رواه البخاري (٣ / ١٢٧١).