منه بحر الأساعي لها مداد ، وإن من العرش إلى ثرى كل ذرة منها ميدانا وصحارى من أقلام ، وجميع الأولين والاخرين من الأزل إلى الأبد يكتبون كلمات القدمية لفنيت الكل عن حصرها ، وبقيت الكلمات غير محصورة الحدثان ، وكيف ذلك والحوادث منتهية ، وصفات الأزلية منزهة عن نقائض الحدوثية والعدد والمدد من قبل الخليقة ، فلو كان بالمثل هذه البحور والأقلام والأيدي ، تكتب ما في قلب عارف في ساعة من كلام الحق وخطابه وحديثه ووحيه لنفد البحر ، وينقطع الأقلام والأيدي ، ولا تنتهي تلك الكلمات ؛ لأنها قائمة بالصفات والذات والصفات منزهة عن تقدير المقدرين ، وحسبان المتوهمين ، وحساب المحاسبين.
قال الله : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ) [لقمان : ٢٧].
وإشارة الحقيقة أي : لو كان بحار القلوب مملوءة من مداد الخواطر وأسرارها التي تدور في سرادق الكبرياء أقلاما ، وتستمد مدادها من بحر الأفعال ؛ لنفدت عند نشر معاني علم الله في كلمة من كلمات الله ؛ لأن ملك البحار فعالية والكلمات صفاتية ، والأفعال متلاشية تحت أنوار الصفات ، ولا تعجب أن جميع الأكوان من العرض إلى الثرى ؛ لو كانت كل ذرة منها ألف بحر لا ساحل لها يكون قطرة من بحر خواطر القلوب وأسرارها سبحان المنزه عن إحاطة المخلوقات بشيء من علمه.
قال سبحانه : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طه : ١١٠].
قال الحسين : مقياس العدم في الوجود في معنى جوده فإما خاص الخاص من كلامه فلو كانت أبد الأبد أقلاما ومدادا وبياضا ما نفد معاني كلمة من كلماته ، ولا يوصف أكثر مما قد أشير إليه ، وإنما يذكر الناس ما يفيدهم معاني العبودية من علم وثواب عقاب ، ووعد وعيد على حسب ما يحتمل عقولهم ، فأما الكمال من فائدة الكلام فللأنبياء والأصفياء والأولياء.
(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠))
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) إن الله سبحانه زين حبيبه بأنوار الربوبية ، وجعله متصف بصفاته متخلقا بخلقه ، وكان مرآة الحق في العالم يتجلى منه للعالمين فمن كان له عين من عيون الله مكحولة بسنا ذاته ينظر بها إليه ، ويرى بالحق فيه جمال الحق فكاد من عليه شوقه إلى جمال ألا يبرح لحظة من عنده ، ولا يتفرغ إلى صورة العبادة فأخبر الله