والسلطنة ضل سعيهم في الدنيا والاخرة حين يفتضحون في أعين الخلق ؛ لأن الله سبحانه عن صفته أن يفتضح المرائين في الدنيا ، ومع ريائهم يجهلون سوء عواقبهم ، ولا يعرفون أن ما هم فيه عين الشرك والضلالة ، ويحسبون أن أعمالهم حسنة ، وكيف يقع الحسن على أعمالهم ، وهم فيها يشركون بنظرهم فيها إلى غير الله.
قال عليهالسلام : «أدنى الرياء شرك» (١).
سئل أبو بكر الوراق عن هذه الاية قال : هو الذي يبطل معروفه في الدنيا مع أهلها بالمنة ، وطلب الشكر على ذلك ، ويبطل طاعته بالرياء والسمعة.
ثم إن الله سبحانه وصف عقب ذكر هؤلاء المبطلين أهل الإخلاص من الصالحين بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) أي : إن الذين عاينوا الحق وصبروا في الحق ، وتمكنوا في إخفاء الأسرار ، واستقاموا في إدارة قلبهم بوصف الهدف عند أصالة سهام الربوبية فيه كانت في الأزل لهم باختيار الحق واصطفائيته لهم بساتين فردوس جلاله وجماله ولطائف وصاله وأسرار كماله إلى أبد الابدين لا يحتجبون عنها أبدا ؛ لأن من وصل إليه صار مستقيما بالحق مقدسا بقدسه عن علل الحجاب ، والاعوجاج والتحويل.
قال أبو بكر الوراق : من أنزل نفسه في الدنيا منزل الصادقين ، أنزله الله تعالى في الاخرة منزل المقربين ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) [مريم : ٩٦].
قال ابن عطاء في قوله : (خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) متنعمين فيها نعيم الأبد ينقلبون في مجاورته ، ويفرحون بمحرضاته قد أمنوا كل مخوف ، ووصلوا إلى كل محبوب ، ولا يشتهون شيئا إلا وجدوه كيف يطلبون عنه تحويلا؟
(قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩))
قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) إن الله سبحانه أخبر بهذه الاية أن أوهام الخليقة تقاصرت عن إدراك علومه وحكمته بالحقيقة ، وأن أبصارها كليلة عن الإحاطة بذاته ، وأن قلوبنا عاجزة عن فهم معاني صفاته في ذاته وذاته في صفاته ، وأن الكون لو كان كمل بحره
__________________
(١) رواه الحاكم في المستدرك (٤ / ٣٦٥).