غيرته ، وشقاء مشقته عن النظر إلى مرآة الكون بالحقيقة ؛ حتى يروا حقيقة ماهية الأشياء التي لطائفها تذكر القلوب عجائب أنوار الذات والصفات.
(الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي) أي : محجوبة عن آياتي وتجليات صفاتي الموجبة لذكري (لا يَبْغُونَ).
وأيضا أعينهم في غطاء الشقاء ، ولا يرون جمال القرآن الذي هو مذكر جميع الذات والصفات القدمية.
وأيضا كانت أعينهم في علم الأزل مسدودة عن رؤيتنا.
وأيضا وصفتنا التي مذكرة ذكرها ذكر ، وصف القدم لأهل العدم بعد كونهم ، وبعد غيبتهم عنا ولا يسمعون كلامنا بالحقيقة ، ولا يسمع آذان قلوبهم وأرواحهم وعقولهم أصوات هواتف غيبنا.
قال ابن عطاء : أعين نفوسهم في غطاء عن نظر الاعتبار ، وأعين قلوبهم في غطاء عن مشاهدة العيان في الملكوت ، فإذا فتح عين قلبه بالمشاهدة فتح رأسه نظر الاعتبار وقال : لا يستطيعون سمعا ؛ لأن آذانهم مسدودة عن سماع الحق ، ولم يفتح له سمع السماع كيف يسمع بظاهر سمعه ، وهو تبع لسمع قلبه.
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨)) (١)
قوله تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) وصف الله أهل الرياء والسالوس والناموس الذين يجلسون في الصوامع ؛ لأجل نظر الخلق ، وصرف وجوه الناس ، وطلب الرياسة
__________________
(١) في قوله : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) نفى هنا أن يكون لهم الوزن يوم القيامة ، وأثبت في قوله : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) لأن المقصود من نفيه بيان ألا يكون لهم قدر عند الله كما للمؤمنين ، وهو لا ينافي الوزن في الحقيقة دلّ عليه أنه تعالى حكم بكون الوزن حقا : أي ثابتا ، والثبات إنما يكون بالرزانة والثقل ؛ وهو لا يكون إلا للمؤمنين ، فمن ثقلت موازينه ؛ فله وزن عند الله ومقدار ، من خفّت موازينه ؛ فلا قدر له عند الله تعالى ؛ لأن القدر إنما هو بالاعتقاد والعمل ، وقد عدمهما الكفار.