لها : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ).
قال أبو سعيد الخراز : لما رأت من نفسها شفقة على ولدها ، خافت أن يكون ذلك يقطعها عن الله (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا).
(فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١))
قوله تعالى : (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) أي : كلي من خوان عنايتي فواكه مشاهدتي ، واشربي من بحار محبتي ، وقري عينا برؤيتي ، وبأني قرة عينك قري عينك بي ، وأيضا قري عينك بما ترين من أنوار جمالي في وجه ابنك عيسى ، وظهور آياتي من نفسه.
قال ابن عطاء : إنك غير مطالبة بالثياب فيما أعطيت.
قوله تعالى : (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ) بيّن الله سبحانه أن مريم علمت بنور الحق نطق عيسى قبل نطقه ، وعرفت بإلهام الله أنه نبي مرسل ؛ لأن عيسى تكلم في بطنها بتوحيد الله سبحانه ، وعلمت أن براءتها من مقالة القوم في نطق ابنها ، وهذا غاية حسن اليقين وسماع إلهام الحق بلا واسطة ، ولما علمت شأن عيسى آمنت برسالته وعظمته عين أشارت إليه بأنه أهل مكان علم الله موضع معجزته ، ولا يجوز عند الكبراء جواب السؤال ؛ فهذا من كمال أدبها في حضرة عيسى ، ومن ها هنا إشارة العارفين إلى كبرائهم عند حاجاتهم بفهم الحقائق.
قال ابن عطاء : فأشارت إليه في الظاهر لتعليم القوم صدقها فيما تقول فأنطق الله عيسى ببراءتها.
قيل : إن أحسن إشارات العارفين في أوقات الاضطرار حين لا تشتت الهمة على الرجوع إلى الحق.
وقال ابن عطاء : أشارت إلى الله ، ولم يفهم القوم إشارتها ، فأنطق الله عيسى بالبيان :
(قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) أي : أنطقني بهذا النطق الذي أشارت مريم ، وأظهر ربوبيته في تكلمه.
وقال بعضهم : أشارت إلى الله بسرها ، وإلى عيسى بنفسها ؛ فأنطق الله عيسى ببراءتها