وفيه إشارة : إنه وإن كان في الحضرة يخدم صانعه ، ويتواضع لخالقه ؛ لأن عبوديته أفخر المفاخر له.
قال الله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [النساء : ١٧٢].
وقال الجنيد في قوله : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) : ليس بعبد هوى ولا عبد طمع ولا عبد شهوة.
(آتانِيَ الْكِتابَ) خصني بخصائص الأسرار ، وجعلني نبيّا مخبرا عنه خبر صدق.
وقال ابن عطاء : لما علم الله في عيسى ما علم من أن يتكلم فيه من أنواع الكفر أنطقه أول ما أنطقه بقوله : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) ليكون ذلك حجة على من يدعي فيه ما يدعي إذ قد شهد هو الله بالعبودية.
وقال أيضا في قوله : (مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) إنفاعا للناس كافي الأذى.
قال الواسطي : (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً) عارفا بالله داعيّا إليه.
وقال الجنيد : مباركا على من صحبني ، وتبعني أن أدله على الإعراض عن الدنيا والإقبال على الاخرة.
وقال ابن عطاء في قوله : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) : أمرني بمواصلته ، وطهارة السر عما دونه (ما دُمْتُ حَيًّا (٣١)) بحياته.
(وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠))
قوله تعالى : (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) مادام أقرّ بالعبودية ، وأخبر عن خاصية النبوة ؛ كيف يكون جبارا مستنكفا من عبادته شقيّا عن رجاء وصاله؟
قال سهل : أي : جاهلا بأحكامه ، ولا متكبرا عن عبادته.