وقال ابن عطاء : الجبار الذي لا ينصح والشقي الذي لا يقبل النصيحة.
وقوله تعالى : (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)) أي : عليّ السلامة يوم دخلت في الدنيا ، حيث بلغت مقام الامتحان في العبودية بعد أن كنت في مقام المشاهدة ، وهذا السلام دوام محل انبساط الحق عليّ بشرط العصمة والرعاية (وَيَوْمَ أَمُوتُ) سلام الأمن والرضا (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)) سلام الشرف واللقاء والفرق بين سلام الحق على يحيى وسلامه على عيسى أن سلام يحيى بلا واسطة ، وسلام عيسى بواسطة وأصل الإشارة أن سلام يحيى سلام تخصيص الربوبية على العبودية ، وبيان الشرف والكرم عليه من الحق ، وسلام عيسى محل الانبساط ثم محل الاتصاف ، ثم محل الاتحاد فإذا كان متصفا متحدا من حيث المعرفة والتوحيد والمحبة والشوق صار لسانه لسان الحق من حيث عين الجمع فسلامه على نفسه سلام الحق عليه على مزية ظهور الربوبية في معدن العبودية ، وأرفع المقامين سلام الحق على سيد المرسلين كفاحا في وصاله وكشف جماله ، فهو سلم عليه بلسانه كان السلام مقصودا ؛ إذ جرى بلسان الحدث عليه ، ولا يبلغ ذلك السلام إلى كمال رتبته لكن سلّم عليه بأوصاف قدمه حتى شمل على شرفه كله.
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠))
قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ) إن الله سبحانه حثّ حبيبه على ذكر خليله ـ عليهماالسلام ـ وما جرى عليه من أحكام الخلة من الوجد والحال والزفرة والغيرة وكسر أصنام الطبيعة ، والخروج مما دون الحقيقة ، وعن الصديقية في خلته ، والصديق من تواتر أنوار المشاهدة ، واليقين ، وإحاطة نور العصمة عليه بالسرمدية.
قال ابن عطاء : الصديق القائم مع ربه على حدّ الصدق في جميع الأوقات لا يعارضه