قوله تعالى : (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) أي : من أنتم ، ومن أين أنتم ، والعدم في العدم معدوم والقد في القدم معروف ، لو يعرف العارف أوائل كونه فني في لحظته في حياء الحق من دعوى معرفته إذ كونه في علم الأزل كعدمه بالحقيقة إذ قوامه بالحق لا بنفسه.
قال الواسطي : المقادير صرحت بمعاينتها ، وكشفت عن أوقاتها ، فالأول : أخبر أنه مأخوذ عن شاهده ، واكتسابه نفسه حين لم يكن شيئا ، والثاني : أخذوا من النطفة ، والثالث : أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ذكر الطين للعبادات ، وذكر النطفة للإشارات ، والباقي لفقد النعوت والصفات.
قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١)) هذا القسم من وجوب حق صفة القدم ، إذ نعته قهر الجبروت ، فأورد الكل عليها لمباشرة ذلك فيهم ليعرفوه بجميع معاني صفاته ، وذلك رحمة كافية إذ لم يعزلهم من رؤية جلال أزليته في لباس قهره ، فكم كشف من الجبروت هناك ، وكم مشاهدة من عين الملكوت هناك ، وكم ظهور سر في دروبهم هناك أين أنت من قول سباح قاموس الكبرياء وعنقاء مغرب ؛ فإن البقاء حيث قال : وضع الجبار قدمه في جهنم ، هل ترى هذا القدم إلا كشف جلال القدم ، وإذا كان جمال قدمه مصحوبهم ، فلا بأس بالوقوف في النيران ؛ فإن هناك أصل الجنان.
إذا نزلت سلمى بواد فماؤها |
|
زلال وسلسال وشيخانها ورد |
(كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١)) إذ كان وصفه في الأزل أنه عرف نفسه بجميع الصفات لكونهم عارفين ، فإذا تم ذلك الكشف وصلوا بالحق مع الحق إلى جواره ووصاله الأزلي ولطفه الأبدي ولقائه السرمدي الذي بغير امتحان ، وهذا معنى قوله : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) اتقوا من أليم القطيعة ، وعذاب الفرقة ، ومرارة المخالفة.
قال الواسطي : ما أحد إلا ويورده النار ملاحظات أفعاله ثم ينجي الله منها من أسقط عنه ذلك أو أزالها عنه بملازمة التوفيق.
وقال في قوله : (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً) : بالرجاء يطلب المحتوم ، وبالخوف يدفع المقضي.
وقال الجنيد في قوله : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) : ما نجا من نجا إلا بصدق اللجا.
قال الجريري : ما نجا من نجا إلا بصدق التقى.
وقال ابن عطاء : ما نجا من نجا إلا بتصحيح العهد بالوفاء.