وقال ابن عطاء : الاستواء إظهار المقدرة لا مكان الذات فإذا جاوزنا من هذه المقالة فجرم العرش أعظم من كل جرم ولكن إذا استولى عليه قهر الربوبية كاد أن يذوب من صولته فأمسكه يد اللطف لتكون رفارف أرواح القدسية وبساتين عقول الملكوتية فسكن بلطف الله من الاضطراب من قهر الله ، ثم صرف الحق عنه تلك الصولة لما علم ضعفه عن وارد الألوهية فطلب في ملكه وسلطانه عرشا معنويّا روحانيّا ملكوتيّا رحمانيّا جبروتيّا ، وذلك قلب العارف الصادق الذي خلقه الله من نور بهي صدر من تجلي صفة بهائه ، وذلك عرش المعنى الذي من وسعه ببسط نور الأزلية فيه على مثابة من قدرة الحق أن لو كان العرش ما تحته يقع فيه يكون أقل من خردلة في فلاة ، وذلك مشرق طلوع شمس الذات وقمر الصفات ، فإذا غلب سلطانها عليه ظهر ضعفه تحت أثقال الألوهية فيبرز نور اللطف في قضائه فيبسطه بسطا لا نهاية له ويصير مبسوطا يبسط التجلي حتى يكون مستقيما متمكنا في رؤية تجلي الحق فإذا صارت أنوار التجلي عليه بنعت الاستدامة ظهر علم سر الاستواء منه ، وحاشا أن القلب حامل الذات والصفات هو بجلاله متنزه عن الورود على الحدثان لكن هو طور التجلي يحمل أثقال تجلي الحق بالحق لا بنفسه.
انظر إلى قول النبي صلىاللهعليهوسلم كيف قال حكاية عن الله عزوجل : «لم يسعني السماوات والأرض ويسعني قلب عبدي المؤمن» (١).
ويا عاقل كيف يحمله الحدث ، وهو منزه عن الحلول الله ، الله هو منزه أيضا أن يكون هو محل الحوادث للقلب يحمله به ؛ لأنه هو بذاته حامل القلب بالوصف والصفة.
ألا ترى إلى قوله عليهالسلام : «القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء» (٢) هو مع الكل بالعلم والكل معه بالعلم والقدرة وهو منزه قائم بذاته تعالى الله عن كل وهم وخاطر.
وقال ابن عطاء : استوى لكل شيء ؛ فليس شيء أقرب إليه من شيء.
وقال بعضهم : استوى له السماوات والأرض وما فيهن بشرط العبودية.
قال الأستاذ : عرشه في السماء معلوم وعرشه في الأرض قلوب أهل التوحيد فعرش السماء مطاف الملائكة ، وعرش الأرض مطاف اللطائف ، فأما عرش السماء ، فالرحمن عليه استوى ، وعرش القلوب ؛ فالرحمن عليه استولى ، وعرش السماء قبلة دعاء الخلق وعرش
__________________
(١) ذكره المناوي في «فيض القدير» (٢ / ٤٩٦) ، والعجلوني في «كشف الخفاء» (٢ / ١٢٩).
(٢) رواه مسلم (٢٦٥٤) ، وابن ماجه (١ / ٢٣١) ، وأحمد في مسنده (١٣ / ٣١٩) ، وابن حبان في صحيحه (٣ / ١٨٤).