طُوىً (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦))
قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥)) ذكر سبحانه قبل هذه الاية خلق السماوات والأرض ، ولم يقل أنه خلق العرش ، وفيه إشارة إلى أن قوله سبحانه عن إحاطة الحدثان به (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥)) (١) يشير إلى أن عرشه جلال قدمه وأزلية ذاته وصفاته استوى بنفسه في علم العلم وغيب الغيب وهذا الاستواء قديم وهذا خبر عن تجبره وتكبره بنفسه في نفسه حين لا حين ولا حيث ولا أين ولا غير ، وهكذا جميع الإحايين قبل الأكوان وبعد الأكوان وفي الأكوان إذا لأكوان والحدثان قاصرة عن حمل ذرة من كبرياء عظمته والأزمان مضمحلة عن حصر صفاته وأزليته وديموميته ، وأيضا إن الله سبحانه لما أراد إيجاد الكون خلق بظهور نور قدرته عالما وسماه العرش من نور شعشعاني وجعله موضع نور العقل البسيط وجعل العقل البسيط موضع فعله الذي يصدر من القدرة ومن ذلك الفعل عالم طلوع أنوار القدم عليه فإذا تجلى بذاته لصفاته ومن صفاته لفعله ، ومن فعله للعقل البسيط ومن عقل البسيط لعالم العرش فصار كل ذرة من العرش مرآة يتجلى الحق منها للعالم والعالمين فتدر قطرات ديم الفعل من فيض أنوار الصفة والذات من عالم العرش إلى العالم والعالمين على النظام والتسرمد واتسام صبح الأزلية من إشراق شمس الألوهية على عالم العرش بهذه المثابة ، وانتشر بركنها في الأكوان والحدثان وهذا تحصيل علوم سر الاستواء ، ويا عاقل أين العرش ، وإن كان ألف ألف عرش من سطوات كبريائه التي لو برزت ذرة منها بنعت القهر في العالم لفنيت كلها قبل أن يرتد إليك طرفك فهو مستو بغير علة اعوجاج الحدثية بوصف قهر القدم على كل مخلوق والكل تحت قهر جبروته وإن كان عالم العرش أعظم ميادين تجلي استوائه هو خاص بتجلي الاستواء ، والاستواء صفة خاصة لله منزه عن إدراك الأوهام ومقاييس العقول تعالى الله عن مماسة الحدثان وملاصقة الأكوان.
وسئل مالك بن أنس : كيف الاستواء؟ قال : الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.
وقال فارس : ليس على الكون من الله أثر ولا من الكون على الله أثر.
__________________
(١) مبتدأ وخبر ، وجعل الرحمة عنوان الموضوع الذي من شأنه أن يكون معلوم الثبوت للموضوع عند المخاطب ؛ للإيذان بأن ذلك أمر بيّن لا خفاء فيه ، غني عن الإخبار صريحا. البحر المديد (٣ / ٤٩٦).