والتمهيد لبساطا القربة.
ثم بيّن سبحانه لم أنزل القرآن عليه قال : (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣)) معناه بالحقيقة أن أرواح أهل الخشية قد استغرقت في بحر القدم حين خرجت من العدم فعرفت منازل شهودها من مشاهدة الذات والصفات ، وعلمت اصطفائيتها وخاصيتها على بساط القرب وتلطف الحق بها وانبساطه معها بمحبته إياها ، فلما دخلت الأشباح بقيت معها خشية العظمة وصولة الهيبة فزاد خشيتها بعلمها بالله بالوصلة والفرقة ، وطرأت عليها وحشة الفراق عن معادلها ، فأنزل الله تعالى القرآن على حبيبه ليذكرهم أيام الوصال في مقام الفراق ليذهب عنهم الظنون والحسبان ، ومعارضة النفوس وتخويف الشياطين بأنهم لا يصلون إلى تلك المناهل والموارد.
سقى الله أياما لنا وليالي مضت |
|
فجرت من ذكرهن دموع |
فيا هل لنا يوما من الدّهر أوبة |
|
وهل لي إلى أرض الحبيب رجوع |
وأيضا أهل الخشية هم العلماء بالله وبصفاته ، قال الله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] ، والخشية صدرت من رؤية عظمة الحق إلى قلوبهم فإذا دخلوا في منازل الامتحان بالحجاب ، فأنزل الحق القرآن ليذكرهم عظائم عظمة جبروته وسلطان قهر كبرياء ملكوته لئلا يتداخل أسرارهم غبار الأغيار ولا وحشة الاستكبار ولئلا يفتروا عن ملاحظة عزته وقهر كبريائه.
قال ابن عطاء : قيل له محمد أنت إمام أهل الخشية وسيدهم أنزلناه تذكرة لك لتسكن عليه وتزول به الخشية عن قلبك ، فإن المحب : يأنس بكتاب حبيبه وكلامه.
وقال جعفر : أنزل الله القرآن موعظة للخائفين ورحمة للمذنبين.
وقال الأستاذ : القرآن تبصرة لذوي العقول تذكرة لأولي الوصول ، فهؤلاء به يستبصرون ، فسألوا راحة اليقين في أجلهم وهؤلاء به يذكرون فيجدون روح أنس في عاجلهم.
(الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨) وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ