ويا مطهرا من الأكوان والمحدثان ، يا هاديا بنوري خلقي إلىّ ما وطئ أحد على بساط هويتي أفضل منك ، طويت لك تحت أقدام همتك صحارى الأزليات والأبديات حتى بلغ سرك سر هويتي بهوائي تهوى وتلطفت بلطفي هوى نجم همتك بعد ارتفاعها بي في هواء وحدانيتي على بساط ملكي وملكوتي فطاب بطيب وصالي يا طه ، لأجل ذلك قسمت به بقولي : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١)) [النجم : ١] طوبى لمن اهتدى بهديك وطاب عيش من هوى طريقتك يا بدار أفق سماوات القدم ويا غواص قاموس الكرم طاشت العقول في إدراك مقاماتك ، وهامت القلوب في أودية محبتك ، وطارت الأرواح من حقائق إشاراتك.
قال ابن عطاء في قوله (طه (١)) : «طا» هديت لبساط القربة والأنس.
وقال الواسطي : هو مستخرج من الطاهر الهادي أي : أنت طاهر بنا هادي إلينا.
وقال محمد بن عيسى الهاشمي : طوى عن سر محمد صلىاللهعليهوسلم الأكوان بما فيها وهدى إلى الاشتغال بمكونها.
وقال محمد بن علي الترمذي : طوبى لمن اهتدى بك وجعلك السبيل إلينا.
وقال الأستاذ : «الطاء» إشارة إلى طهارة قلبه عن غيره ، و «الهاء» إشارة إلى اهتداء قلبه إلى الله.
ثم إن الله سبحانه تلطف على نبيه وخفف عليه أثقال العبودية ؛ لأنه كان تحت أثقال سطوات الربوبية التي لا تحملها الأكوان بقوله : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) قام جميع الليل بالتهجد كأنه قال سبحانه : يا أول طا القدم على بساط حضرتنا لطلب المقام المحمود لا تشق على نفسك لأجل زيادة الهداية ؛ فإنك هديت في الأزل واصطفيناك لمشاهدتنا وقربتنا والرسالة والمحبة لا تحتاج إلى كثرة المجاهدة ، فإنك في المشاهدة أنزلنا عليك القرآن ليعرفك أسرار ذاتنا وصفاتنا وتعرّف عبادنا أسرار العبودية وأحكام المعرفة وعزة الربوبية ، أنزلنا عليك القرآن ليقرن عنانه بعنان همتك ويبلغك إلى منازلنا فتدلى فإذا وصلت إلينا فأؤنسك بنفسي بعد أن جعلت القرآن مستأنسك ؛ فإذا رأيتني رأيت ذاتي وصفاتي وسمعت القرآن مني بلا واسطة فتعرف أن صفاتنا تضيئ الأكوان ولا تفارق الرحمن.
قال الواسطي : سمي القرآن قرآنا لأنه يقارن لمتكلمه لا يباينه تعظيما لشأن القرآن كما وصل إلينا شعاع الشمس وحرارتها ولم يباين القرص.
قال بعضهم : أنزلناه إليك لتستروح إلى كلام خالقك ؛ فإن المحب يستروح إلى كلام حبيبه ولا يلحقه فيه التعب.
وقال الأستاذ : ليس المقصود من إيحائنا إليك تعبك إنما هو استفتاح باب الوصلة