من شجرة القدم فانجذب إلى قرب مغناطيس الصفات ورأى لطائف مشاهدات الذات ، كأنه هو في رؤية المعاني ، وظن أنه في صورة الأماني فأتاها بنعت الشوق وتحير في شأن الأمر وطلب نفسه أين هو وما علم أنه في كنف الوصلة وبساط القربة فدار حول الشجرة برسوم العلم ، وهكذا حال من كوشف له حقائق الحقيقة بالبديهة ؛ فلما غاب في الغيب في طلب الرب ناداه الحق وقال : أيش تطلب؟ أنا ربك ، أي : ما ترى يسرك وروحك وعقلك فهو جمال ربك وإن كنت في تلبيس الفعل والصفة لو تريد أن تراني صرفا ، فاخلع نعليك أي : نعلي الكونين فإنك بالواد المقدس وادي الأزل المقدس عن غيار الظنون والحسبان وأنفاس النفس والشيطان ، ولا ينبغي أن تأتي قدس القدم باثار أهل العدم حتى يطوى لك وادي الازال والاباد ، وينكشف سرها لهمتك وقلبك وروحك وسرك ، وأيضا أي : اخرج أنت منك حتى تصل بي فأنا لمن لم يكن لنفسه.
قال الواسطى في قوله : (إِذْ رَأى ناراً) موسى خطرات به حسه الحظوظ في أخذ نار فنال النور ، فلا ينبغي لأحد أن ييأس من نفسه ، وقد حوله من شاهد الحط إلى شاهد الحق.
قال جعفر : قيل لموسى : كيف عرفت أن النداء هو نداء الحق؟ فقال : لأنه أفنتني وشملتني ، فكان كل شعرة مني كان مخاطبا بنداء من جميع الجهات ، وكأنها تعبر من نفسها بجواب ، قلما أشملتني أنوار الهيبة ، وأحاطت بي أنوار العزة والجبروت علمت أنه تخاطب من جهة الحق ولما كان أول الخطاب (إِنِّي) ثم بعده (أَنَا) علمت أنه ليس لأحد أن يخبر عن نفسه باللفظتين جميعا متتابعا إلا الحق فأدهشت ، وهو كان محل الفناء ، فقلت : أنت أنت الذي لم يزل ولا تزال ليس لموسى معك مقام ولا له جرأة الكلام إلا بأن تبقيه ببقائك وتنعته بنعوتك ، فتكون أنت المخاطب والمخاطب جميعا ؛ فقال : لا يحمل خطابي غيري ، ولا يحييني سواي أنا المتكلم ، وأنا المكلم وأنت في الوسط شبح تبع بك محل الخطاب.
وقال الشبلي في قوله : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) : اخلع الكل منك تصل إلينا بالكلية فنكون ، ولا تكون فيتحقق في عين الجمع يكون إخبارك عنا وفعلك فعلنا.
قال ابن عطاء : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) (١) أعرض بقلبك عن الكون ؛ فلا تنظر إليه بعد هذا الخطاب قيل : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) ؛ فإنك بعين موجدك.
وقال جعفر : اقطع عنك العلائق (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا).
__________________
(١) كما يفعل بحضرات الملوك أدبا ، ولتنالك بركتها ولتكون مهيأ للإقامة غير ملتفت إلى ما وراءك من الأهل والولد ، ولهذا قال أهل العبارة : النعل يدل على الولد. نظم الدرر (٥ / ٢٣٨).