وقال ابن عطاء : أي : أسقط عنك محل الفصل والوصل ؛ فقد حصلت في وادي القدس ، وهو الذي يظهرك من الأحوال أجمع ، ويردك إلى محولهما عليك.
وقال الأستاذ : فارغ قلبك عن ذكر الدارين وتجرد للحق بنعت الانفراد ، أما الفرق بين قوله : (إِنِّي) ، وبين قوله : (أَنَا) ، وبين قوله : (أَنَا) ، وبين قوله : (رَبُّكَ) ، فانى إشارة إلى أصل الذات ، وأنا اشارة إلى كشف الصفات ، وربك إلى أعيان الذات والصفات في الأفعال.
وقال بعضهم : إنى إخبار ، وأنا إظهار ، وربك تذكار.
وقيل : إنى معرفة ، وأنا توحيد ، وربك إيمان.
وقيل : بقوله : إنى إفناؤه ، وبقوله : أنا إبقاؤه ، وبقوله : ربك إيواؤه.
وقيل : إنى لقلبه ، وأنا لروحه ، وربك لنفسه ، وقد وقع إخواني إشارة إلى امتناع ذاته عن إدراك الخليقة ، وأنا إبراز علوم حقيقة صفاته ، وربك ظهور مشاهدة تجليه الذي هو سبب تربية موسى ، رباه بتجلى ربوبيته في لباس فعله.
ثم أخبر سبحانه أنه اختاره لمكان وحيه وخاصية رسالته واصطفائيته بسماع كلامه القديم حتى يكون خالصا من جميع البريات ، ويكون منفردا في العبادات بقوله : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣)) اختاره في الأزل لمحبته والشوق إلى لقائه ومعرفته بفردانيته ، ويكون الحق سبحانه سميره في مناجاته ، وظاهرا بوصف الربوبية ، وتجلي العظمة لمشاهدته ، ومراده سبحانه بقوله : (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣)) جمع همته وحضور قلبه وسكون سره وهدوء روحه عند جريان الخطاب حتى لا ينفك منه خاطر يشتغل بغيره من العرش إلى الثرى ليكون علمه أشمل ، ومعرفته أكمل وحاله أصفى ووقته أشفى ووجده أوفى ؛ لأنه كان في مشاهدة عرض جلال القدم ، وفي لجج بحار الكرم حيث قال سبحانه : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) ، قوله : (إِنَّنِي) خبر عن بطنان أولية القدم ، وأنا خبر عن شهور ذاته وصفاته على الأسرار والأرواح والقلوب بنعت غيبتها عنه.
وقوله : الله ظهور ظهور الذات والصفات لشهود الأرواح والأسرار والقلوب والعقول كشفا وعيانا وبيانا ؛ فإذا أعلمه حقيقة ربوبيته استدعي منه العبودية الخالصة عن كل كدورة بشرية وخاطر شيطاني بقوله : (فَاعْبُدْنِي) ألزم عليه حتى حق الربوبية للغير للعبودية وأي تشريف مما ألزم عليه من حقوق ألوهيته وجعله موضعها ليكون فردا بعبوديته كما كان سبحانه فردا له بإظهار جماله له وإسماع كلامه إياه وأراد سبحانه أن يلبسه أنوار