الربوبية في مكان عبوديته حتى يصيره متصفا بصفاته متحدا بمحبته مستغرقا في جمال أوليته وآخريته ليخرج منها بوصف الأزل والأبد لا بوصف الحدث.
ثم بيّن أن الصلاة إعلام عبوديته ومواقع شهود مشاهدته ولطائف حقائق ذكره ومناجاته بقوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤)) البيان هو الذكر ومزيد الذكر وحقيقة المراد استغراقه في بحار مشاهدة المذكور ؛ لأن الصلاة موضع شهود الأسرار على الأنوار وكشف الجمال للأرواح لترقيها بنعت شكرها في عالم الأفراح.
قال الواسطي : في قوله : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) المختار من جهة من هو مصطنعة ومصطنعة ومربيه على يد أعدائه والملقي محبته في قلوب عباده فلم يستطيعوا له إلا محبة ، والمطلق لسانه بحر العقد والميسر له أمره فلا يعسر عليه مطلوب بحال كل هذا يقدم إليه ويمن به عليه ؛ ليكون ثابتا عند مكافحة الخطاب ومواجهة الوحي والكلام.
وقال في قوله : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) لا تشغل قلبك بغيري قولا وفعلا ، ولا تكن من أبناء الأفعال والإحصاء والأعمار والدهور ، وكن من أبناء الأزل والأبد مطالعا لما سبق من الأولية ، وجرى لك في الأثرية ، وإن كان كلاهما واحدا.
قال ابن عطاء : إشارة إلى حقيقة الحق إذ الأزل والأبد علة في ذكر الأوقات والدهور علة.
قال الواسطي : أظهر هذا الخلق في شموخ وعلو في أنفسهم ؛ فأمرهم لعلة الفاقة لا لعلة الاستغناء تبسما لرؤية الاضطرار.
قال : يا موسى (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) أحب أن يريه عجزه.
وقال أيضا : بالعبرانية خاطب موسى ثم وصف لمحمد صلىاللهعليهوسلم بقوله : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) هل تلونت الصفة بذلك.
قال : لو لونتها اختلاف اللغات لتلونت في اختلاف الأوامر والنواهي.
وقال ابن عطاء : في قوله : (فَاعْبُدْنِي) وجدني على الشهود كما عرفتني بالوجود ، ودع عنك الرسوم والحدود فلا حد إلا حده ولا عبد إلا عبده.
وقال الأستاذ في قوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤)) إقامتها من غير ملاحظة مجريها ومنشيها تورث الإعجاب ، وإذا قام العبد صلاته على نعت الشهود ، والتحقق بأن مجريها غيره كانت الصلاة لهذا فتح باب المواصلة والوقوف في محل النجوى والتحقق بخصائص القرب والزلفى.