(وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧))
قوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧)) إن الله سبحانه كلم كليمه فطاب وقته من لذة كلامه ، واختلج في سره إرادة لقاء المتكلم ، وكاد يقول في بداية حاله (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣] فعلم الحق سبحانه سر ما في قلبه ، وعلم أنه لا يطيق أن ينظر إليه كفاحا ، وأراد ألا يحرمه من سؤله ومأموله ؛ فقال : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧)) ، قال : (قالَ هِيَ عَصايَ) ، قال : (أَلْقِها) ؛ فلما ألقاها صارت حية ففر منها موسى ، قال سبحانه : أين تفر من رؤية مأمولك؟ انظر إليها بنظر الحقيقة حتى ترى مشاهدة الذات في الصفات ، ومشاهدة الصفات في الايات ؛ فحصل لموسى مشاهدة رؤية العظمة مع الخطاب الخاص ، وأيضا أراد سبحانه أن يريه الاية الكبرى حتى يتعود برؤيتها ، ولا يفزع منها عند تقلبها في ابتلاعها سحر السحرة ، وأيضا كان في مواجهة كلامه القديم في رؤية الجلال العظمة فكاد يذوب من صولة العظمة ورؤية الكبرياء فشغله الحق في ذلك بذكر شيء من الحدثان حتى يسكن لحظة من سكن رؤية الجلال ، وألا يفني في سطوات الكمال ، وأيضا ظن موسى أنه تعالى لا يتكلم معه في شيء محقر إنما يتكلم في العظائم فأعلمه الحق موضع انبساطه إليه حتى ينبسط إليه.
ألا ترى لما وجد لذة حسن انبساط الحق كيف خرج من مقام الهيبة ، وانبسط إليه بقوله : (قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي) ، قوله : (عَصايَ) جواب بالانبساط من لذة وجدان مكانته في شهود عين الحق ، ولولا ذلك ما أضاف إلى نفسه في رؤية فردانية الحق ، وأيضا أراد الحق سبحانه أن يعلمه أن في عصاه كثيرا من معجزته فنبهه