يَخْشى (٤٤)) ، ومن ذلك الاستعداد وقع في بحر دعواه ولو لا كان في نفسه شيء من ذلك لم يجترئ أن يخرج بتلك الدعوى ألا ترى أن دعواه لم يقع إلا لقليل من الخلق من الكفرة ، وفي كل موضع يظهر به قهر القدم بنعت المباشرة يفيض سكرا كما يفيض لطف الأزل سكرا في ألطف وصف الروح الناطقة ولدعواه في الحقيقة وجه من الحقيقة ، وسكر القهر وصف النفس الأمّارة ، ولو لا اختلاف المكانين واللباسين يقع لفرعون ما يقع لأهل الحقائق من دعوى الأنائية ، ومن ها هنا أمر الصفيين المكرمين بأن يقولا له قولا لينا ؛ لأنه يكفي ما عليه من قهر قدمه فأثقال البعد والسقوط من درجات المؤمنين العارفين وفيه إشارة لطف الله بموسى وهارون ليكونا متخلقين بخلق الله في تأديب عباد الله.
وعلم الله سبحانه حدة موسى ، وقلة احتماله رؤية المخالفين من أعداء الله ؛ فأكد العزم عليها لئلا يغضبا عليه في دعواه الذي قال : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي) [الشعراء : ٢٩] لئلا يسقط سبيل الحجة عليه.
قال يحيى بن معاذ : هذا رفقك بمن آذاك فكيف رفقك بمن يؤذى فيك؟
قال النهرجوري : قال الله لموسى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) ؛ لأنه أحسن إليك في ابتداء أمرك فلم تكافئه فأحببت أن أكافئه عنك.
(قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨) قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩))
قوله تعالى : (لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦)) انظر إلى هذا اللطف من اللطيف الكريم أن معيته يكفيهما حيث إنه معهما ولا يحتاج إلى قوله أسمع وأرى ، فزاد التلطف ، فقال أسمع وأرى وهذا كمال رعايته وحفظه لهما أي : أسمع قولكم وفعلكم جميعا وأنا بالسمع والبصر معكما ومع فرعون ، ولكن أنا بذاتي المنزه بنعت الكشف معكما خاصة.
قال سهل : أخبر الله أنه معهما بالنصرة مشاهدا لهما في كل حال بالقوة والمعونة والتأييد لئلا يخافا إبلاغ الرسالة بحال قوله تعالى : (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧)) أي : السلام الأزلي والسلامة الأبدية بنعت الاصطفائية على من اتبع الأنبياء والأولياء ، ولا يتبع الهدى إلا من سبق في الأزل له منا الهدى.
قال الواسطي : اتباع الهدى لسابقة الهدى ، ومن سبقت له من الله الهداية اتبع الهدى في