وقال أبو سعيد الخرّاز في بعض كتبه : غير أن أولياء الله رهائن الله في أشياخهم قد خبأهم وأخفاهم في أنفسهم من أنفسهم لنفسه ، وهذا مقام الاصطناع الذي قال الله لموسى : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي).
قال سهل : مفردا إليّ بالتجريد لا يشغلك عني شيء (١).
(اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥))
قوله تعالى : (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢)) أي : إذا أمر دعا أن تذكراني فاذكراني حتى لا تضعف تحت أثقال ذكري ؛ فإن ذكر القديم لا يحتمل إلا بقوة من القديم ، وأيضا لا تغيبا عن مشاهدتي باشتغالكم بأمري حتى لا تكونا فاترين بي عني.
قال سهل : لا تكثرا الذكر باللسان ، وتغفلا عن مراقبة القلب.
ثم إن الله سبحانه أمر موسى وهارون بالذهاب إلى فرعون لقطع حجته وإظهار كذبه في دعواه بقوله : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣)) هذا تهديد لكل مدع لا يكون معه بينة من الله في هواه ، والحكمة في إرسال الأنبياء إلى الأعداء ليعرفوا عجزهم عن هداية الخلق إلى الله ، ومن يعجز عن هداية غيره فأيضا يعجز عن هداية نفسه ، ويعلموا أن الاختصاص لا يكون بالأسباب ويشكروا الله بما أنعم عليهم بلطفه ، وربما يصطادون من بين الكفرة من يكون له استعداد نظر الغيب مثل حبيب النجار ورجل من آل فرعون وامرأة فرعون والسحرة.
قال ابن عطاء : الإشارة إلى فرعون وهو المبعوث بالحقيقة إلى السحرة ؛ فإن الله يرسل أنبياءه على أعدائه ، ولم يكن لأعدائه عنده من الخطر ما يرسل إليهم أنبياءه ولكن يبعث الأنبياء إليهم ليخرج أولياء المؤمنين من أعدائه الكفرة.
ثم بيّن سبحانه لطفه وكرمه للمؤمنين بما أظهر لطفه بأعدائه بقوله : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) انظر كيف تلطفه بأعدائه ؛ فهذا لطفه بأعدائه فكيف لطفه بأوليائه علم عجزه وضعفه وكذبه وعلمه بنفسه بأنه أعجز العاجزين ، ولكن ضرب قهر الجبارية ، ولطمه الميل على قفاه وبعده من باب العبودية مع استعداده بقبول المعرفة ، ولو لا ذلك لما قال : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ
__________________
(١) أي تفرد إلي بالتجريد لا يشغلك عني شيء. تفسير التستري (١ / ٣٢٣).