الاصطفائية مباشرة الكبيرة فألقى موسى في البداية في محنة المعصية كأبيه آدم عليهماالسلام ليكون التواضع مصحوبا له إلى النهاية ويربيه بحقائق القهر كما يزينه بحقائق اللطف (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) أي : نجيناك من طريان العتاب منا على قلبك (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) أخلصناك من النظر إلى غيرنا في جميع أنفاسك ، وألبسناك أنوار لباس ربوبيتنا حتى عرفتنا بمعرفتنا ، وصرت فنون عجائب لطفنا في العالم.
قال الواسطي : ألقاه في أعظم كبيرة حتى يوجده طعم الاصطفاء بقوله : (وَقَتَلْتَ نَفْساً).
وقال أبو الحارث : فتناك بنا عما سوانا.
وقال ابن عطاء : فنجيناك بالبلاء طبخا حتى صلحت لبساط الأنس.
وقال سهل : أفنينا نفسك الطبيعي ودبغاها حتى لا تأمن من مكر الله.
ثم زاد ذكر المنة عليه بأن جعل شيخه ومقدمه في طريقته شعيبا عليهالسلام بقوله : (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) لبثه عند شعيب بأن رباه الله بصحبة المرسلين ليكون متخلقا بخلقه مهذبا في آداب الحضرة ، وهذا سنة الله للمريدين (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ) أي : على قدر زمان الإرادة ؛ فإذا كنت كاملا جئت على قدر مقام المحبة ، ووطئت بقدم المحبة على بساط القربة بعد قدم الإرادة في مقام الخدمة جئت بما اصطفيناك في القدم من العدم ، لا يتغير قدرك بتقليل بدور العناصر عن قدر اصطفائيتنا.
قال بعضهم : قدرنا لك سبيل المعرفة وقتها فجئت على ذلك القدر أقدر.
ثم ذكر سبحانه أعظم منته عليه بقوله : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)) أي : ضمرت سرك بنور سري وقلبك بنور نوري وعقلك بسنا قدسي وروحك بجمال وجهي وألبستك نور محبتي وكسوتك كسوة ربوبيتي لتكون مشكاة أنوار صفاتي وذاتي ، أتجلى من وجهك بالهيبة للعالمين وخصصتك بمخاطبتي وسماع كلامي ؛ فإن في زمانك ليس في العالم سواك محل وقوع نور تجلياتي وكشوف أسرار سري ولتكون لنفسي خاصا بالمحبة والشوق والعشق لا لغيري وأنا غيور عليك لا يراك أحد بعين المحبة إلا أبتليه ، ولا ترى أحدا بعين المحبة إلا أبتليك حتى لا يكون فيك نصيب أحد غيري.
قال الخرّاز : في قوله : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)) ؛ فمن أين وإلى أين ومنه وإليه وله وبه وفني فناؤه لبقاء بقائه بحقيقة فنائه.
وقال فارس : أخلصتك لي حتى لا تصلح لغيري.