في أعين الخلائق جميعا وهكذا حال كل محب للرحمن.
قال الواسطي : في قوله : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ) سأل وبه ابتدأ شرح صدره فجاز الاقتداء به للعوام دون الخواص ؛ لأن الله أعلم بما فيه إبلاغ رسالته وأداء أمانته.
ألا ترى إلى قوله : (قَدْ أُوتِيتَ) إلى قوله : (مَرَّةً أُخْرى) فذكر أيام حداثته ثم ردّه إلى أصله ثم رده من أصله إلى أصل الأصل ؛ فقال : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)) فأضافه إلى نفسه ثم أكد ذلك بقوله : (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ) [الأعراف : ١٤٤] ، (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي).
قال السري السقطي ـ قدس الله روحه : ألقى عليه لطفا من لطفه استجلب به قلوب عباده.
وقال ابن عطاء : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) لك ، فمن رأى فيك محبتي لك أحبك يحيى لك.
قال فارس : زينتك بملاحة من عندي حتى لا تصلح لغيري ، ويحبك كل من يرى تلك الملاحة فيك ؛ فقيل : أليس يوسف أعطي شطر الحسن ، ولم يسكن يستوجب المحبة.
فقال : الحسن لا يوجب المحبة والملاحة توجب المحبة ، ألا ترى النبي صلىاللهعليهوسلم كان عليه ملاحة ممزوجة بهيبته.
قال بعضهم : بعينك لا يراك لا أحد إلا رق لك ومال إليك ولما خصه بكسوة نور محبته جعله محفوظا في مقام الامتحان والبلاء لا ينقطع عنه أنوار تلك الخاصية ، وكان في مجمع حجر وصلة الحق يربيه بأيدي الأعداء ليبيّن منته واصطفائيته ، كأنه خاطب لطفه قهره (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩)) أي : لتكون مربى في مقام القهر بعين اللطف ، وهذا خاصية عجيبة.
قال الواسطي : ما نجا نبي ولا ولي من محنته ولا سلم أحد من مشقته ، وهذا معنى قوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩)).
قال ابن عطاء : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩)) أنا مشاهد لك حافظ أرعاك بعيني ولا أسلم سياستك إلى غيري ليعلمه حسن العناية.
ثم إن الله سبحانه ذكر لموسى منته عليه بأن أنجاه من كيد العدو ، وإرجاعه إلى أمه ، وبأن لم يأخذه بجرم القتل بقوله : (وَقَتَلْتَ نَفْساً) إن الله سبحانه أعلم الحقائق أن من اصطفاه الله في الأزل بشرائف المعرفة ولطائف الولاية لا يضر به المعصية ولا يزيله من مقام