(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥) وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦))
قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ذكر النفوس لا القلوب ولا الأرواح ؛ لأنها باقية يتجلى حياة الحق لها فإذا انسلخت الأرواح من الأشباح انهدمت جنابذ (١) الهياكل ، ورجعت الأرواح على معادن الغيب لشهودها مشاهدة الرب.
قال الجنيد : من كان بين طرفي فناء فهو فان.
وقال أيضا : من كان حياته بنفسه يكون مماته بذهاب روحه ، ومن كان حياته بربه فإنه ينقل من حياة الطبع إلى حياة الأصل ، وهي الحياة على حقيقة ، وافهم أن الموت بالحقيقة موت الفراق وفوت الوصال ، كما قيل : «الفوت أشد من الموت ، والموت الجهل ، والحياة حياة العلم» ، والموت عبارة عن الفناء والحدثان ، وإن كان موجودا ؛ فهو بالحقيقة فإن ؛ لأن حقيقة البقاء لا تقع عليه ؛ لأنه محدث والمحدث لا يستحق له حقيقة البقاء إذ بقاؤه بالحق لا بنفسه ، والموت قهر غيرة الأزلي يطري بالحدثان يدمر وجودها حتى لا يبقى اسم المرسومات ونعت الموجودات في ظهور الذات والصفات ، ثم ذكر ابتلاء الخلق بالخير والشر بقوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) بالقهر واللطف والفراق والوصال والإقبال والإدباد والمحنة والعافية والجهل والعلم والنكرة والمعرفة.
قال سهل : نبلوكم بالشر ، وهو متابعة النفس في الهوى بغير هدى ، والخير العصمة من المعصية والمعونة على الطاعة.
(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩))
قوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) هذا والله أمر عجيب خلقهم من العجلة وزجرهم عن التعجيل إظهارا لقاهريته على كل مخلوق وعجزهم عن الخروج من ملكه وسلطانه وحقيقة العجلة يتولد من الجهل برؤية المقاصد السابقة.
__________________
(١) الجنبذة : القبّة ، عن ابن الأعرابي ، وفي الحديث في صفة الجنة : «وسطها جنابذ من ذهب وفضة يسكنها قوم من أهل الجنة كالأعراب في البادية». حكى ذلك الهروي في الغريبين (بتحقيقنا).