قوله تعالى : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣)) قطع لسان الحدثان بمقراض هيبة الرحمن عن الانبساط في وقت كشوف عظمة الجبروت وشهود جلال الملكوت يفعل الخبير ما يشاء ، وليس لهم هناك لهجة سؤال ، ولا لهم حجة مقال إذ لا وسمة على فعاله وعزة كماله ، وهم معاتبون عما فعلوا ؛ لأن أفعالهم وقعت ناقصة عن سنن نظام سنة الأزلية بمشيئة القدمية.
سئل ابن حماد المصري عن قوله : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) لم لا يسأل؟ قال : لأن أفعاله من غير علة.
(لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣) وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤))
قوله تعالى : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧)) عزة سرمديته قطع لسان المسبحين من الكروبيين عن حقيقة الثناء ووقعت الاستحالة أن يحيط بجلال قدمه قول كل قائل ، ووصف كل واصف ولا يطيقون أن يقولوا شيئا من تلقاء نفوسهم أو يفعلوا شيئا بإرادتهم ، بل هم في قبضة عزته أذلاء تحت جلال جبروته يتبعون أمره كما أراد منهم.
قال القاسم : لا يسبقونه قصدا ولا فعلا ؛ لأنهم مربوطون بما ذكرهم مقموعون بما عرفهم لئلا يفتري عليه أحد ثم وصف لهؤلاء الكرام بالخشية منه والشفقة عنه بقوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨)) أي : هم من معرفة جلال قهره خائفون من فرقته يعلمهم بأنه منزه عن وجودهم وعدمهم ، وهذه الخشية حقيقة العلم بالله يتولد منها الخوف والحياء والتعظيم والإجلال.
قال الواسطي : الخوف للجهّال ، والخشية للعلماء ، والرهبة للأنبياء ، وقد ذكر الله الملائكة وقال : (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨)).