رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢)).
قال الواسطي : أي : من يحفظكم بالليل والنهار من الرحمن ، أي : يظهر عليكم ما سبق فيكم (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) ، أي : ذكرهم إياه في الأزلية بالنجاة والهلاك.
قال ابن عطاء : من يكلؤكم من أمر الرحمن سوى الرحمن ، وهل يقدر أحد على الكلاءة سواه.
قوله : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) إن الله موازين عدله القديم لا تتغير بتغير الحدثان ولا برسوم الزمان والمكان ، وكل ميزان له موضع ومقام فمنها للعاشقين ، ومنها للعارفين ومنهما للمحبين ، ومنها للمشتاقين ، ومنها للمستأنسين ، ومنها للخاضعين ، ومنها للأواهين من غلبة قهر المواجيد ، ومنها للواجدين ، ومنها للعالمين ، ومنها للباكين عليه منه فيزن بها معالي هممهم ومقادير محنهم في زمان هجرانه وأوان امتحانه فيبقيهم بجلال قدره ما لا يحصى عدده من قرب مشاهدته وحسن وصاله فيفتح لهم خزائن وجود الأزل ، وله ميزان للعارفين يزن أنفاسهم به يضع نفسا من أنفاسهم المعجونة بنفس صبح روح الأزل في كفه ، ويضع جميع الجنان في أخرى ، فيرجح ما فيه نفس العارف بحيث لا يبقى في جنبه الحدثان ؛ لأنه خرج من غيب الرحمن منورا بنوره.
قال القاسم : الأعمال والموازين شتى ، والعدل ميزان الله في الأرض ؛ فمن وزن أعماله بميزان العدل ؛ فهو من العابدين ، ومن وزن حركاته بميزان العدل ؛ فهو من المحبين ، ومن وزن خطراته وأنفاسه بميزان العدل ؛ فهو من العارفين.
وميزان العدل في الدنيا ثلاثة : ميزان للنفس والروح ، وميزان للقلب والعقل ، وميزان للمعرفة والسر ؛ فميزان النفس والروح الأمر والنهي ، وكفتاه الوعد والوعيد ، وميزان القلب والعقل الإيمان والتوحيد وكفتاه الثواب والعقاب وميزان المعرفة والسر الرضا والسخط ، وكفتاه الهرب والطلب ؛ فمن وزن أفعال النفس والروح بميزان الأمر والنهي بكفة الكتاب والسنة ، ينال الدرجات في الجنان ، ومن وزن حركات القلب والعقل بميزان الثواب والعقاب بكفة الوعد والوعيد أصاب الدرجات ونجا من جميع المشقات ومن وزن خطرات المعرفة والسر بميزان الرضا والسخط بكفة الهرب والطلب نجا من الذي هرب ، ووصل إلى ما طلب فيصير عيشه في الدنيا على الهرب ، وخروجه منها على الطلب وعاقبته إلى غاية الطرب ؛ فمن أراد الوصول إلى المسبب فعليه بالهرب من السبب ؛ فإن السبب حجاب كل طالب.
(وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠))
قوله تعالى : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) كلام الله سبحانه في نفسه مبارك وإن لم يسمعه الجاهل ، ولكن مبارك على من يسمعه بأسماع المحبة والشوق إلى لقاء المتكلم القديم