ويعمل بمضمونه ، ويعرف إشارته ويجد حلاوته في قلبه ، فإذا كان كذلك يبلغه بركته إلى مشاهدة معدنه ، وهو رؤية الذات القديم ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) [القصص : ٨٥].
قال ابن عطاء : مبارك على من يسمعه ، مبارك على من يتعظ به ، مبارك على من ينزل بهمته وقلبه عليه ، مبارك على من آمن به وصدق بما فيه ومن لم ير على سره وقلبه ونفسه آثار بركات القرآن ؛ فليعلم ببعده عن مصدر الخواص ودخوله في ميادين العوام من الأشقياء.
(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨) قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) هذا خبر اصطفائية الخليل في الأزل بخلته ورسالته قبل إيجاده وإيجاد الكون وما فيه فإذا أوجد وجه من العدم كاشف لها جمال العدم وعرفها نفسه بنعت إعلامه أسماءه ونعوته وأسرار صفاته فعرفت الله بالله وعرفت سبل شهود الصفات ومشاهدة الذات ، فلما التبست بصورته جاءت بعقل القدسي من الملكوت والعلم الإشاراتي من عالم الجبروت ؛ فتعرف القلب طرق المحبة والخلة وتعرف النفس طرق الطاعة والخدمة ، فلما أخرجه الحق من مجال أنسه ألبسه أنوار قدسه فنظر بالعين المكحولة بنور المعرفة إلى عالم الكون ، ورأى عجائب الملك وغرائب المملكة فأرادت نفسه أن يسكن إلى الدليل عن المدلول من حيث لها منه لذة مشاهدة اصطناع المالك القديم فغلبت عليها روحه الملكوتية وأغارت ما دون الحق عن ساحة كبريائه بقوله : (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا