سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧) وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨))
قوله تعالى : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩)) كان الخليل منورا بنور الله وكان النار من فعل الله ؛ فغلب نور الصفة على نار الفعل ، ولو بقيت النار حتى وصل الخليل صارت مضمحلة ، فعلم الحق ذلك فقال : (كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) حتى تبقى لظهور معجزته وبيان كراماته ، وفي الإشارة لنا إشارة ، وفي إشارتنا سر أن الخليل طالب خليله في مرآة مشاهدة الشمس والقمر والنجوم وأراه الله مطلوبه من وسط النار كما أرى موسى من وسط النار ، والشجرة كأن نيران الكبرياء تكاد بصولة القدم أن تفنى وتحرق إبراهيم ، فقال سبحانه بنفسه مع نفسه لنفسه : (وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩)) فأسلمه من قهر نفسه بلطف نفسه.
قال ابن عطاء : سلم إبراهيم من النار بسلامة صدره ، ولما حكى الله عنه بقوله : (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤)) [الصفات : ٨٤] خال من جميع الأسباب والعوارض وبرد عليه النار لصحة توكله ويقينه وثقته حيث ناداه جبريل ألك بي حاجة؟ فقال : أما إليك فلا.
(فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩) وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢))
بفضله ، لا يتعلق بالصغر والكبر والشيخوخية والاكتساب والتعلم ، إنما الفهم تعريف الله تسيل أحكام ربوبيته بنور هدايته ، وإبراز لطائف علومه الغيبية ؛ فحيث يظهر ذلك فهناك مواضع الفهوم والعلوم ، فهو سبحانه منّ على سليمان بعلمه ، ولم يمن عليه بشيء خارج من نفسه من الملك والحدثان ، فإن العلم صفة من صفاته ، فلما جعله متصفا بصفاته منّ عليه بجلال كبريائه.
قال الجنيد : أفهم الله سليمان مسألة من العلم فمنّ عليه بذلك ، وأعطاه الملك فلم يمن عليه ، وقال : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ).
قال الواسطي : في قوله : ففهّمناها بسلامته عن شواهد اللذات في الطاعات.
قال أبو بكر : لبره بأبيه ثم بيّن فضل أبيه داود بما أعطاه من الحكمة والعلم والشرف