والفضل ، وإن شذّ عنه فهم تلك المسألة فأراه الله ما منّ على سليمان ليكون قرة عينه بقوله تعالى : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) معرفة بالربوبية وعلما بالعبودية.
(وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤) وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦))
قوله تعالى : (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ).
لما أخبر الله سبحانه أيوب عليهالسلام أنه حان وقت خروجه من البلاء علم أيوب أن ما رأى من رؤية المبلى في بلائه يكون منقطعا عنه إذا انقطع البلاء قال : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) إذ فات عني مشاهدتك في بلائي ، وأيضا إذا كان مبتلى كان في محل رؤية قهر القدم الذي شاهده الحق بوصف جلاله وجماله تربية بقهره لعرفانه ، وجميع صفاته بطريق القهر واللطف ؛ فلما انهزم عساكر قهر سلطانه من جنود ألطاف ألوهية خاف أن يفوت ما حصل له من رؤية القهر ومباشرته ، قال : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) ، ولأنه ادعى الصبر فجربه الحق بالبلاء فإذا خرج من مكائده طوفان قهر القدم وجد نفسه خارجا من مقابلة بلائه الذي هو دأب فتيان الخضرة ؛ فقال : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) ، وأيضا مقام العافية حظ العاشق من المعشوق ، والبلاء حظ المعشوق من العاشق ، فلما انعزل من حظ معشوقه عنه وبقي مع حظه منه قال : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) ، وأيضا البلاء مقام الفناء في القدم والعافية مقام البقاء والعارف الصادق يؤثر فناء نفسه على بقائه ؛ لأن تنزيه القدم يقتضي فناء الغير فمن حجة كونه في مشاهدة الحق قال : (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) كون وجودي في وجودك ؛ لأن حق الغيرة في الوحدانية لا يقتضي كون الوجود في وجود الحق ، وأيضا كان روحه من مقام الأنس صدرت فطار صورته شبيه روحه باللطافة ، وهو كان في هواء الأنس طيارا ، وفي ميادين الحسن والجمال سيارا ، فلما لحقه البلاء صار في البلاء وثقله ومرارته محجوبا عن لذة الأنس به ؛ فقال الله :
(مَسَّنِيَ الضُّرُّ) ، ويا فهم العارف الصادق إذا كان متحققا في معرفته فشكواه حقيقة الانبساط ، ومناداته تحقيق المناجاة وأنينه في بلاء حبيبه حقيقة المباهاة ، وفيما ذكرنا أنشدت يوما في حق بلاء عشي في أيام امتحاني وشوقي إلى أيام وصالي ورؤية منابي فقلت :
هوائي يا منابي في لقاك |
|
وعيشي يا رجائي في هواك |
نزلت حظوظ نفسي من حياتي |
|
وآثرت الممات بأن أراكا |