قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) وصف الله أهل الولاية والنبوة والرسالة الذين اصطفاهم في الأزل بحسن عنايته ومعرفة جلاله وجماله مشاهدة كماله ووصاله ووقاهم من عذاب الفرقة والحرمان عن المشاهدة بقوله : (أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) هي في جنان الوصلة لا يحسون شواهد أهل العلة من البرية فظاهر حسن العناية السابقة منهم أربعة أشياء الانفراد من الكونين والرضا بلقاء الله عن الدارين وإمضاء العيش مع الله بالحرمة والأدب فظهور أنوار قدرة الله منهم بالفراسات الصادقة والكرامات الظاهرة وباطن حسن العناية السابقة من الله في الأزل لهم أربعة أشياء : المواجيد الساطعة ، وانفتاح العلوم الغيبية ، والمكاشفات القائمة ، والمعارف الكاملة ، وفي كل موضع ظهرت هذه الأشياء بالظاهر والباطن صار صاحبها مشهورا في الافاق بسمات الصديقين وعلامات المقربين وخلافه المرسلين.
قال الحسن بن الفضل : سبقت العناية ، وظهرت الولاية.
وقال الجنيد : من سبق من الله إليه إحسان ؛ فإنه لا يزال ينتقل في ميادين المحسنين إلى أن يبلغ إلى أعلى مراتب أهل الإحسان بقوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦].
وقال الواسطي : أولئك قوم هداهم الله فهداهم بذاته وقدسهم بصفاته فسقط عنهم الشواهد والأعراض ، ومطالعات الأعواض ؛ فلا لهم إشارة في سرائرهم ، ولا عبارة عن أماكنهم وحجبهم عن الاستقرار في المواطن ؛ فلا لهم هم بأنفسهم ، ولا هم حاضرون في حضورهم بحضورهم.
وقيل : الحسنى العناية السابقة ، وهي خمسة أشياء : العناية ، والاختيار ، والهداية ، والعطاء ، والتوفيق ، فبالعناية وقعت الكفاية وبالاختيار وقعت الرعاية ، وبالهداية وقعت الولاية ، وبالعطاء وقعت الخلة ، وبالتوفيق وقعت الاستقامة والحسنى هذه السوابق.
وقال الواسطي في قوله : (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) : هم أهل الحقائق لا يحسون بضجيج أهل الدنيا ؛ لأنهم مصدودون عنها بما ورد على سرائرهم من وهج الحقائق فهم مترددون في منازلهم لا يقطعهم عن ذلك قاطع لانغماسهم في بحور الحقيقة ، ثم وصفهم الله بالأمن الدائم والحسن القائم بقوله : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) كيف يلحقهم الفزع ، وهم في مشاهدة جلال الحق مدهوشين والهين واصلين إلى مناهم غير محجوبين عنه بشيء من الحدثان ، والحق سبحانه يكون مرادهم يفعل كما يريدون.