نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠))
قوله تعالى : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) أرذل العمر أيام المجاهدة بعد المشاهدة ، وأيام الفترة بعد المواصلة لكيلا يعلم بعد علم بما جرى عليه من الأحوال الشريفة والمقامات الرفيعة ، وهذا غيرة الحق على دعوى المتحققين حين أفشوا أسراره بالدعاوى الكثيرة ، أستعيذ بالله من ذلك ، وأستزيد منه فضله وكرمه ليخلصنا به من فتنة النفس وعثرتها ، ويمكن أن ذلك يتعلق بالسير في عالم النكرات حين اختلطت بحار حقائق الربوبية في قلب العارف الصادق ، فيستغرق في لجج نكرات امتناع الأحدية عن إدراك الخليقة ، فيضمحل ما علم فيما لم يعلم من معرفة الذات والصفات فتحت نكراته معارف الألوهية ، وتحت المعارف نكرات غيرة الأزل فإذا خرج من الفناء في النكرة عن النكرة إلى مقام الصحو في المعرفة فيطلع على أسرار النكرة بأسرار المعرفة ، كما قال سبحانه : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) يحييهم بالمعرفة بعد موتهم في النكرة ، وبحياة المشاهدة بعد موت الفرقة ، ولذلك ضرب الله مثلا في هاتين الحالتين كما قال سبحانه : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ).
وهذا ما وافق قول الواسطي في ذلك ، قال : اندرج ما علم منه بما بسط له وفتح عليه وضرب له مثلا (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) أي : ساكنة عن النبات حافية عن الخضر (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) أي : ظهرت عليه وردت ورويت ونمت ، (إِنَّ الَّذِي أَحْياها) [فصلت : ٣٩] بالنعوت (لَمُحْيِ الْمَوْتى) بالعلوم في الدنيا وبالأرواح في الاخرة.
وقال الأستاذ : أرذل العمر زمان الفترة بعد المجاهدة ، وحال الحجبة عقب المشاهدة ،