في العظمة ، وبعض السكارى تائه في العزة ، وبعض السكارى غائب في الجمال ، وبعض السكارى فان في الجمال ، وبعض السكارى صاح في البقاء ، وبعض السكارى مضمحل في الكبرياء ، وبعض السكارى سكره من حلاوة الخطاب ، وبعض السكارى سكره من الانبساط ، وبعض السكارى سكره من العتاب ، وبعض السكارى سكره من كشف النقاب ، وبعض السكارى سكره من رؤية القدم في مرآة الالتباس ، وبعض السكارى سكره من وقوعه في صرف شهود الأزل ، فهؤلاء السكارى في منازلهم ، سكرهم مقادير مواردهم في شهود القرب ، وقرب القرب ؛ فمن كان سكره بغيره فهو غير سكران إنما هو مخبط حاله من رؤية الأحوال ، ومن كان سكره به فسكره من شراب الوصال ، فسكري هناك من سكري ها هنا به لا بما منه شرابي من رؤية صرف كنه القدم وغيري من العبّاد والزهّاد سكرهم من مشارب الكرم.
ألمّ بنا طيف يجلّ عن الوصف |
|
وفي طرفه خمر وخمر على الكف |
فأسكر أصحابي بخمرة كفه |
|
وأسكرني والله من خمرة الطرف |
وقال الحسين : أسكرهم رؤية الجلال ، ومشاهدة الجمال.
قال الحريري : ما أسكرهم إلا الهيبة والإجلال (١).
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤))
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) هؤلاء الناس أهل الخيال من المشبهة والمعتزلة وأمثالهم من الذين جادلوا في الله بالقياس والخيال المحال.
قال سهل : يخاصم في الدين بالهوى والقياس من دون الاقتداء ، فعند ذلك يضل ويبتدع.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما
__________________
(١) قد روي أن الشبلي قال : شربت بالكأس التي شرب بها الحلاج فصحوت وسكر الحلاج ، فبلغ ذلك الحلاج فقال : لو شرب بالكأس التي شربت بها لسكر كما سكرت ، فبلغ الجنيد أمرهما فقال : نقبل قول الصاحي على السكران ، فرجح حال الشبلي على حال الحلاج.
ولذلك قالوا : أكثر الشطح يكون من سكر الحال وغلبة سلطان الحقيقة ، فمن ثم من تم صحوه وخلص عن بقية السكر ونزلت في قلبه السكينة ستر الحقيقة بالعلم ، ووقف على حد العبودية ، فاعلم ذلك فإنه عزيز علمه ، إذ تنكشف به الالتباسات التي لم تزل خفية على أكثر أرباب القلوب.