ألا ترى كيف شكا عنه موسى حين عارضه الملعون بقوله ما سمعت ؛ فهو كلامي فكاد موسى أن يذوب من هيبة الله وحيائه حتى أوصله الحق إلى أماكن ألطاف حفظه ، ورعايته وخلصه من كيد عدوه.
قال سهل : من قرأه ، وهو يلاحظ الحق ؛ فإنه يكون بريئا مصونا من إلقاء الشيطان ، ومن قراه ، وهو يلاحظ نفسه أو يشاهد الخلق ؛ فإن ذلك محل إلقاء الشيطان.
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥))
قوله تعالى : (أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أي : القرآن كلامه الحق (فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) المعرفة بالله تورث الفناء في الله ؛ فصارت قلوب العارفين بالله مخبتين لأمر الله.
قال الواسطي : إن الربوبية إذا تجلت على السرائر محت آثارها ، ومحت رسومها وتركتها خرابا.
(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٥٧) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩) ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١))
قوله تعالى : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) ملك الجمال والجلال وكشف اللقاء للعارفين والعاشقين لله يومئذ يواسي قلوبهم بإعطائه إياهم مأمولهم ؛ فإذا برز أنوار سلطنة كبريائه اضمحل فيها الظنون والخواطر والرسوم والأعلام.
قال ابن عطاء : الملك على دوام الأوقات ، وجميع الأحوال له ، ولكن يكشف للعوام الملك يومئذ لإبداء القهارية والجبارية ؛ فلا يقدر أن يجحد ما عاين.
__________________
فيحترز من شره. تقسيم الخواطر (ص ٦٨) بتحقيقنا.