قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ) الذين هاجروا مما دون الله ، وقتلوا بسيوف محبة الله ، وماتوا من غلبة شوق الله تحت أثقال رؤية عظمة الله ليرزقنهم الله رزق مشاهدته ، ودوام وصلته على السرمدية ، ويحييهم بروحه إلى أبد الابدين ، وملك الحياة والأرزاق غير مقطوعة ولا ممنوعة.
قال الجريري : هو تصحيح التوجه بالفردانية ، ومعانقة التجريد بالسمع والطاعة.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢))
قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ) إذا ظهر الحق بنعت الحقيقة للعارفين اضمحلت في قلوبهم الحوادث ، وسقط عنهم علل الأكوان.
قال ابن عطاء : هو الحق فحقق حقيقته في سرك ولا ترجع منه إلى غيره ؛ فإن ما سواه باطل.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٦٥))
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) أنزل مياه تجلي الصفات من بحار الذات على صحارى قلوب الصديقين فتصبح أرضها بصبح صفات مشاهدته مخضرة بأنوار ورد المكاشفات ونور المحبة والشوق والعشق ، ورياحين الزلفات وشقائق المودة ، ونرجس المداناة ، وتنبت فيها رياحين المعارف بزلال الكواشف.
قال بعضهم : أنزل مياه الرحمة من سحائب القربة وفتح إلى قلوب عباده عيونا من ماء الرحمة ، فأنبت المعرفة فاخضرت القلوب بزينة المعرفة ؛ فأثمرت الإيمان وأينعت التوحيد ، وأضاءت بالمحبة فهامت إلى سيدها ، واشتاقت إلى ربها ، وطارت بهمتها فأناخت بين يديه وعكفت عليه ، وأقبلت عليه وانقطعت عن الأكوان أجمع إذ ذاك أواها الحق إليه ، وفتح لها خزائن أنواره ، وأطلق لها التنزه في بساتين الأنس ورياض الشوق والقدس.