حصتي ، وكونوا بنعت التجريد عن الدنيا ، وما فيها في بذل أنفسكم إليّ ، وفي هذه المعاملات الشريفة اطلبوا الاعتصام مني ، استعينوا بي لأقويكم في طاعتي (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ) حبيبكم وناصركم في الأزل (فَنِعْمَ الْمَوْلى) حيث لا مولى غيره (وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)) حيث لا يخذل من نصره بأن نصره عزيز ممتنع من نقائص النقص.
قال جعفر : حق المجاهدة على القلب فإن النفس لا يقوم بحق المجاهدة ، وحق المجاهدة ألا يختار عليه شيئا كما لم يخير عليكم بقوله : (هُوَ اجْتَباكُمْ).
قال بعضهم : المجاهدة على ضروب مجاهدة مع أعداء الله ، ومجاهدة مع الشياطين ، وأشدها المجاهدة مع النفس ، وهو الجهاد في الله ، وهو الذي روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» (١) ، وهو مجاهدة النفس ، وحملها على اتباع ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه.
وقال ابن عطاء : الاجتبائية أورثت المجاهدة لا المجاهدة أورثت الاجتبائية.
وقال أيضا : «ملة إبراهيم» : هو السخاء والبذل والأخلاق ، والخروج من النفس والأهل والمال والولد.
وقال أيضا : في قوله : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) : زينكم بزينة الخواص قبل أن أوجدكم ؛ لأنكم في القدرة عند الإيجاد كما كنتم قبل الإيجاد سبق لكم من الله الخصوصية في أزله.
وقال النوري : الاعتصام بالله للخواص ، والاعتصام بحبل الله للعوام ، والاعتصام بحبل الله هو التمسك بالأوامر على السنن ، والاعتصام بالله هو حفظ القلب ، والسر عما يشغل عنه ، والاشتغال بمراقبته ، والإقبال عليه ، قال الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ) أي : هو الذي يغنيكم به إن أقبلتم على الاعتصام.
وقال جعفر : نعم المعين لمن استعان به ، ونعم النصير لمن استنصره.
***
__________________
(١) ذكره العجلوني في «كشف الخفاء» (١ / ٥١١) بنحوه.