الصفات ؛ فمطر عليها وبل بحر الألوهية ، وخمرها بأيدي العزة ، وصورها بنقوش خاتم الملك ، وألقاها في وادي القدرة بين فضاء الازال والاباد حتى مضى أصباح مشارق شموس الذات ، وأقمار الصفات ، ثم كشف ستر الغيرة من وجه الروح التي خلقها قبل صورتها بألفي ألف عام ، وكانت في حجال الأنس وبحار القدس أصدرها من مكامن غيوب العلوم ، وهي أسرار الأولية مصورة بنقش صورتها فأدخلها فيها فصار الروح والصورة كاملة بكمال الذات والصفات.
فلما صار آدم موضع ودائع أسرار الذات والصفات والقدم والبقاء وصفه حبيب الله صلوات الله عليهما بقوله : «خلق الله آدم على صورته» (١) ، وكان عليهالسلام معادن الأرواح القدسية والأشباح الأنسية ؛ فإذا أراد سبحانه خلق ذريته حركه بقدرته ، وألقى عليه سباتا من عظمته ، وأخرج حواء من ضلعه ثم حركهما بسر سره ، وذلك السر شهوتهما التي أورث فيهما تجلي نعوت الجمال والجلال فوصل الشهوة بالشهوة ، وانشقت بالنطفة الخالصة التي مصادرها ما ذكرنا من أسرار تجلي الاستواء ، وأبقاها في مصدر الفعل ، وقلبها في دهور التجلي وأيام التدلي وساعات كشف الملكوت والجبروت والملك والقدرة.
ثم تجلى لها في قرار رحم الفعل بالهيبة والعزة ؛ فصارت ملونة بلون حسن الفعل الذي هو مرآة تجلي الجمال ، وذلك قوله سبحانه : (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) ؛ فلما أذابها في كبر العشق بنفخ المحبة ، وصبغها بصبغ المودة صوغها في بوتقة الفطرة ذهبا لنقش نقوش خاتم الملك ، وألقاها في مشرق كشف شموس الربوبية حتى نضجت بنيران المحبة ، وصارت سبيكة من لطف التجلي ، وهذا معنى قوله : (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) ثم صيرها سواقي بحار دماء الطبيعة ، وجعل سواقيها عروق مشارب الفطرة ، فتحركت من غلبتها ؛ فغرس فيها الحق أشجار فعله حتى سكن بناؤها باستوائه قدرته بقوله : (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً).
ثم خلعها خلعة مزيد فيض النظر في زمان التربية بقوله : (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) ثم تركها في ضياء فعله ونور تجلي قدرته ليكمل استعدادها قبول نقش الملك فنقشها بنقش سر العلم بصورة آدم ، ثم زين وجهها بزينة نور جماله ، وصورها بصورة روح فعله وكلها برحمته ،
__________________
(١) رواه البخاري (٥٨٤٣) ، ومسلم (٢٦١١).