(١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦) وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧) وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢)) لما خلق الله سبحانه الكون والكائنات من العرش إلى الثرى ، طبق العرش فوق الكرسي ، وطبق الكرسي فوق السماوات السبع ، وقد أحاط الكرسي بالسماوات ، وركب بعضها بعضا ، ثم تجلى من قهر سلطان عظمته ، وجلال قدمه بنعت الاستواء على العرش فزلزل العرش ، ثم تزلزل الكرسي ، ثم تزلزلت السماوات ، فعرقت السماوات من ثقل الكرسي ، وعرق الكرسي من ثقل العرش ، وعرق العرش من ثقل سطوة الاستواء ؛ فجرى عرقها ، وصار بحورا ؛ فدخلت البحور بين السماوات ، وتلاطمت بعضها بعضا من هيبة عزة القدم ، وصولة الجلال التي نفذت أنوارها في جميع ذرات الكون ؛ فكثرت تلاطمها حتى ألقت خوالص زبدها وروحها فوقها ، فيبست تلك الزبدة التي هي حقائق عرق الوجود الذي صدر من نور الاستواء ، وهو حامل بسر التجلي قد خلت البحور تحتها ، وصارت كالزبدة اليابسة من كثرة حركة ممحاض الكون.
ثم انسطحت وأظهرت حقائقها ؛ فمضت عليها أيام الله التي معاهدها مرور أنوار تجلي الصفات والذات عليها ؛ فلما رباها الحق بأفانين تجلي صفاته وذاته ، قبض منها قبضة بقبضة جبروته ، وطرحها فوق ملكوته ، وتلك القبضة من خالص تلك الزبدة المعجونة لعقاقير أنوار