قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤) ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩))
قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً) أي : أنزلني منزل مشاهدتك حتى أصل بركة وصالك ، وأفوز برؤية جمالك وجلالك (١).
قال ابن عطاء : أكثر المنازل بركة منزل تسلم فيه من هواجس النفس ووساوس الشيطان وموبقات الهوى ، وتصل فيه إلى محل القربة منازل القدس ، وسلامة القلب من الأهواء والبدع.
وقال الأستاذ : الإنزال المبارك أن يكون بالله ، والله على شهود الله من غير غفلة عن الله ، ولا مخالفة لأمر الله (٢).
__________________
(١) قوله : منزلا مباركا بضم الميم ، وفتحها بمعنى : موضع إنزال ، أو موضع نزول ؛ وهي السفينة النوحية ها هنا ؛ لأن الخطاب لنوح عليهالسلام ، فكانت السفينة منزلا مباركا له ، ولمن معه من المؤمنين حيث نجوا منها من الطوفان ، كما أن البر كان منزلا غير مبارك لمن عصاه من المشركين حيث أغرقوا من فيه بالطوفان ، وذلك لأن دخول السفينة كان بإذن الله تعالى ؛ فكانت منزلا مباركا يستتبع نفعا كثيرا ظاهرا وباطنا ، والإباء عن دخولها بإضلال الشيطان ، وتسويل النفس ؛ فكان عاقبته شرا محضا ، وهلاكا صرفا ، فكما أن دخول السفينة كان خيرا محضا ؛ لكونه امتثالا لأمر الله تعالى ، فكذا الخروج عنها بعد ما كان أمر الله مفعولا ؛ فكانت الأرض أيضا منزلا مباركا لهم ؛ ولذا قال تعالى : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) [هود : ٤٤] ؛ لأنها مع الماء المستوعب لا ينتفع بها ، ولّما كانت السورة مكية ؛ كان من إشارتها أن يدعوا نبينا صلىاللهعليهوسلم بهذا الدعاء لنزّله الله المنزل المبارك الذي هو المدينة المنورة ؛ فكانت المدينة مباركة ببركة قدمه صلىاللهعليهوسلم ، كما كانت مكة المكرمة مباركة بقدمه ، وبأقدام سائر الأنبياء أيضا عليهمالسلام ، فكلّ منهما منزل مبارك لمن أراد أن يكون في جوار الله تعالى ، وجوار سيد المرسلين.
(٢) وفيه إشارة إلى أن الدنيا من المنازل الرفيعة حيث استدعى لسان الروح النزول إليها ، وكذا البدن