قال بعضهم : لو لا أن الله تعالى أمر بمخالفة النفوس ومباينتها لا تبع الخلق هواهم في شهوات النفوس ، ولو فعلوا ذلك لضلوا عن طريق العبودية ، وتركوا أوامر الله ، وأعرضوا عن طاعته ، ولزموا مخالفتها ، ألا ترى الله يقول : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ).
ثم بيّن سبحانه أن حبيبه صلوات الله عليه يدعوهم إلى تلك المشاهدة بقوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣)) الصراط المستقيم ما أوضحه أنوار جماله ومشاهدته ، وهو طريق معرفته في قلوب الصديقين لأرواح القدسية ، وتلك الطريقة منتهاها المحبة ، وبدايتها الأسوة والمتابعة لقوله : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) [آل عمران : ٣١].
قال ابن عطاء : إنك لتحملهم على مسالك الوصول ، وليس كل أحد يصلح لذلك السلوك ، ولا يوفق له إلا أهل الاستقامة ، وهم الذين استقاموا لله مع الله ، ولم يطلبوا منه سواه ، ولم يروا لأنفسهم درجة ولا مقاما.
قال بعضهم : لي الإقبال على الله ، والإعراض عمن سواه ، ثم بيّن سبحانه حال المحرومين عن هذه الطريقة المباركة والإيمان بالغيب والاخرة ، ووصفهم بالضلالة عن طريق الصواب بقوله : (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤)) أي : الذين لا يشاهدون بقلوبهم أنوار الغيب لناكبون عن متابعتك يا محمد.
قال أبو بكر الوراق : من لم يهتم لأمر معاده ومنقلبه ، وما يظهر عليه في الملأ الأعلى والمشهد الأعظم ؛ فهو ضال عن طريقته غير متبع لرشده ، وآخر منه حالا من يهتم لما جرى له في السبق من ربه ؛ لأن هذا المصدر فرع لتلك السابقة ، قال الله : (إِنَّ الَّذِينَ ...) الاية.
ثم بيّن أن لو كشف لهم حجاب الهجران ، ورأوا جمال الرحمن لادعوا من سكرهم في جمال الأنانية بقوله تعالى :
(وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥)) لو خلصهم عن درك الامتحان ، وكشف عنهم ضر الحرمان للجوا في دعاويهم العظيمة التي تفسد الرسوم ، وبقوا في طغيان دعاويهم.
قال ابن عطاء : الرحمة من الله على الأرواح المشاهدة ، ورحمته على الأسرار المراقبة ، ورحمته على القلوب المعرفة ، ورحمته على الأبدان آثار الخدمة عليها على سبيل السنة.
وقال أبو بكر بن طاهر : كشف الضر هو الخلاص من أماني النفس ، وطول الأمل ،