وطلب الرياسة والعلو ، وحب الدنيا ؛ فإن هذا كله مما يضر بالمؤمن.
قال الواسطي : للعلم طغيان ، وهو تفاخر به ، وللمال طغيان ، وهو البخل ، وللعمل والعادة طغيان ، وهو الرياء والسمعة ، وللنفس طغيان ، وهو اتباع شهواتها.
ثم بيّن أنه تعالى ابتلاهم بعذاب الفرقة ، ولم يتحسروا بذلك ، وما أرادوا الرجوع إليه بنعت التصريح بقوله : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦)) أفرد أرواحهم في مبادئ العهد بشهود نور جماله لها وخطابه معها ، فلما وصلت الأشباح ابتلاها بحجاب النفوس والشياطين ، ولم ترجع إلى طلب معادنها ؛ فشكا الله سبحانه عنها ، ومن حق معرفتها أنها تفنى براءة الحجاب والخطاب بالعتاب ، وهذا وصف بعض العارفين الذين هاموا في أودية الكبرياء والعظمة ، ولا يجدون لذة الوصال والجمال من صولة التوحيد ؛ فوقعوا في بحار الأولية ، وباشروا بالجرأة ما يوجب العتاب ، فلم يلتفتوا إلى مراعاة الرجوع لاستكبارهم بمقاماتهم العظيمة ، ولا يهتمون على فوائت حظوظ المشاهدة يا ليت لو علموا خفايا مكره لتضرعوا واستكانوا حتى يكشف ما وراء أحوالهم من عظائم غيوبات الصفات ، وعجائب كشوف الذات ، التي لو شاهدوها لذابوا ساعة بنعت الفناء في القدم ، ولتاهوا ساعة بنعت البقاء مع السكر والصحو في الأبد.
وافهم أن الله سبحانه وقع المريدين في موت الفوت ؛ فجاهدوا أنفسهم بأنواع العبادات والرياضات ، ولو استعاذوا به ، واستعانوا لسهل عليهم طريق الرجوع إليه ، فأين هم من التضرع والبكاء ، وتعفير الوجوه بالتراب على فناء وحدانيته وجناب ديموميته؟ وبهذا وصل الواصلون إلى الله.
قال سهل : ما أخلصوا لربهم في العبودية ، ولا ذلوا له بالوحدانية.
(مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥))
قوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) نزه نفسه سبحانه عن مخايل الزنادقة ، وكان منزها عن أباطيل إشارة المشبهة ، وذاته ممتنع بكمال أحديته عن زعم الثنوية ، كيف يجوز أن يكون القدم محل الحوادث إذ القدم المنزه إذا تجلى بنعت القدم