(إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١) قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤))
قوله تعالى : (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١)) جزيتهم بمشاهدتي بما صبروا في طاعتي ، واحتمالهم جفاء أعدائي ؛ فإنهم فائزون من فراقي أبدا ، خارجون من عناء الفرقة ، وطعن الطاعنين في زمان المحبة.
قال أبو عثمان : ما صبروا حتى أكرموا بالصبر ، والصبر حبس النفس عن الشهوات.
قال ابن عطاء : صبروا عن الخلق ، وصبروا مع الله.
وقال أبو بكر بن طاهر : الفائزون : الامنون من أهوال القيامة.
(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨))
قوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥)) غيرهم بما سكنوا إليه مما وجدوا منه حيث ظنوا أن ما وجدوا منه على حدّ الكمال فوقفوا ؛ فقال : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ) للوقفة عني بشيء مما وجدتم مني (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) بنعت الفناء عما وجدتم ، وعما سكنتم به عني ، ثم عظم جلاله وكبرياءه عن إدراكهم ، وإن رجعوا إليه به بقوله : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ) تعالى جلاله عن أن يدركه المدركون ، ويلحق بعزته اللاحقون ، هو الحق بحقيقته ، وحقيقته لا يطلع عليها إلا هو ، تلاشت الحدثان في سطوات جلاله حتى أن العرش الكريم مع عظمه صغر في عين نملة من قهر عزته ، ومن نظر إلى شيء سواه ، وإن كان منه رتبة عظيمة في المعرفة ؛ فهو محجوب به عنه بقوله : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ).
ثم أمر صفي المملكة بعذر عجزه ، وتحيره عن درك نعوته الأزلية ، وصفاته الأبدية بقوله : (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ) اغفر تقصيري في معرفتك ، وارحمني بكشف زيادة المقام