(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥))
قوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) أخبر عن أوائل كشف جلاله وجماله ؛ فإذا قاموا على بساط الهيبة ، وسرادق الكبرياء والعزة ، وعاينوا الذات القديم ، ولهوا في مشاهدته مستغرقين في بحار أنوار جماله وجلاله ، واشتغلوا بذوقهم في وصاله من وصاله عن مرافقة كل رفيق ، ومصادقة كل صديق ، وانتسابهم إلى الأخوة والمصاحبة ، ولا يتساءلون عند سطوات عظمته حالهم بعضهم بعضا لشغلهم بمعاينة وجوده ونثر جوده ؛ فإنهم غائبون في شهودهم مشاهدة قربه ومعاينة قدمه وبقائه فنسبهم هناك نسب المعرفة والمحبة الأزلية واصطفائية القدمية ، لا يفتخرون بشيء دونه من العرش إلى الثرى.
قال فارس : الأنساب رؤية الأعمال ، ورجاء الخلاص بها ، (وَلا يَتَساءَلُونَ) لا يتذاكرون مما جرى عليهم في الدنيا من نعيمها وبؤسها شغلا بما هم فيه.
قال محمد بن علي الترمذي : الأنساب كلها منقطعة إلا من كانت نسبته صحيحة في عبودية ربه ؛ فإن تلك نسبة لا تنقطع أبدا ، وتلك النسبة المفتخر بها لا نسبة الأجناس من الاباء والأمهات والأولاد (١).
(قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠))
قوله تعالى : (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦)) أي : غلبت علينا الدعاوى الباطلة ، والخوض في الطّامات والترهات.
قال أبو تراب : الشقوة : حسن الظن بالنفس ، وسوء الظن بالخلق.
__________________
(١) (فلا أنساب بينهم يومئذ) تنفعهم ، لزوال التراحم والتعاطف بينهم ؛ من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة ، بحيث يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه. البحر المديد ـ (٤ / ٢٠٦).