وأخبر أن هذه الخاصية من الله سبحانه له ؛ بأن ينبه النوامين عن مشاهدة عظمته بعظيم بطشه وجلال قدره بقوله : (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) ، ويبشر الصادقين في إيمانهم ؛ بأن وصاله لهم بنعت السرمدية بقوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
أخبر عن أوائل كرمه وسوابق نعمه الصادقين في إرادتهم ، والمخلصين في مقاصدهم أن لهم وصالا بغير حجاب ، وكشف جمال بغير عتاب.
وأيضا أي : بشّر العارفين أن لأرواحهم في مقام قدس جلالي وأزلي قدم المحبة وصدق اليقين بمشاهدة ، حين كشف جمال وجهي لها في ميثاق الأول ، وصدق تلك الأقدام بوصف المحبة أنها لا تزول عن محل الاستقامة في العبودية ، وعرفان الربوبية.
وأيضا : ما وصفت قدم الربوبية في إيجاد الكونين إلا بصدق محبتي لهم في الأزل.
وأيضا : معنى الاية أولها تخويف بقوله : (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) أي : خوف من نسيني طرفة عين بفوت حظ مشاهدتي وفراقي ووله وصالي ، ثم بشر بلسان نبيه صلىاللهعليهوسلم من كان جميع قلبه مملوءا من حبه وصفاء ذكره.
وأيضا أي : بشر المريدين الذين أيقنوا قربتي لهم وعنايتي لهم أنهم وإن أخطأوا بمباشرة هوى نفوسهم في زمان فترتهم ألا يقنطوا من فضلي ولطفي القديم بهم في سابق حكمي ، فإن لهم عندي قدم صدق الإرادة في البداية ، ولا يحذر من كرمي أن أهدم صدق أقدامهم في الإرادات بل آويهم بعناياتي إلى قربي ووصالي ، وأراعي عواقب أمورهم ؛ حتى تكون أقدام الأواخر مستويات بأقدام الأوائل.
قال أبو سعيد الخراز : تفرق الطالبون عند قوله : «من طلبني وجدني» (١) على سبيل شيء ، أولهم أهل الإشارات طلبوه على ما سبق من قوة الإشارة ، وهم أهل قدم الصدق عند ربهم ، فبالقدم أشار إليهم ، فهم أهل الطوالع والإشارات ، حظهم منه ذلك.
وقال سهل : سابقة رحمة أودعها في محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقال الترمذي : قدم صدق هو إمام الصادقين والصديقين ، وهو الشفيع المطاع وسائل المجاب محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقيل في قوله : (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) أي : مما يذهل قلوب الصادقين المنتبهين.
وقال النصر آبادي في قوله : (بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ) : القدم الصدق لم يبق له مقام إلا وقد سلكه بحسن الأدب ، لذلك إن قدم الصدق هو موضع
__________________
(١) رواه أبو نعيم في الحلية (١٠ / ١٩٣).