الشفاعة للنبي صلىاللهعليهوسلم.
وقال الأستاذ : قدم صدق ما قدموه لأنفسهم من طاعات أخلصوا فيها ، وفنون عبادات صدقوا في القيام بنقصها (١).
ويقال : هو ما قدم الحق سبحانه لهم يوم القيامة من مقتضى عنايته بشأنهم ، وما حكم لهم من فنون إحسانه وصنوف ما أفردهم به من امتنانه ، ثم وصف نفسه تعالى بالربوبية والألوهية ؛ تنزيها لتربية أسرار العارفين ، وتقديسا لقلوب الموحدين بقوله : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ) ، ثم بيّن أعلام الألوهية لترفيه فؤاد الموقنين بقوله : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، أخبر عن ترضيته الملكوت بأنوار الجبروت لاستبصار العاقلين ، وجعل أيام بقائهما معدودة لإطفاء نيران عجلة الإنسان ، وإلا هو مقتدر بقوة القدم ، أن يوجد ألف ألف سماء وألف ألف أرض بأقل من لمحة ، ثم جعل العرش مرآة قدسه ، ومأوى أرواح أحبائه بقوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) ، خامر أنوار عظمة العرش ، وجعله مأوى أنفاس الصديقين ، ومنتهى مسالك المريدين.
ثم أخبر أنه تعالى يستهل طريقه إليه لطالبيه بقوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) : يقدس للأرواح العاشقة الصادقة طرق مشاهدته ووصاله من علة الحدثان ، ويصطفي قلوب العارفين بكشوف عجائب صفاته وأنوار ذاته ، ثمّ بيّن أنه مختار لولاية الأولياء بنفسه لانتقاص من جهة الخلق ، وعلة الخليفة بقوله : (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) : من يعطيه لسان الانبساط يسأل ويشفع بعد انبساطه إليه ، وإلا كيف يكون للحادث عند القديم وزن؟!
ثم عرف نفسه بما وصف به نفسه لفهماء المعرفة والمربين بأنوار المحبة بقوله : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ).
ثم دعاهم إلى عبادته بعد معرفته بقوله : (فَاعْبُدُوهُ) : أي : اعبدوه بالمعرفة ؛ لأنه خلق الخلق لعرفانه.
(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ
__________________
(١) أي أعمالا حقة ثابتة قدموها لأنفسهم صدقوا فيها وأخلصوا فيما يسّروا له لأنهم خلقوا له وكان مما يسعى إليه بالأقدام ، وزاد في البشارة بقوله : (عند ربهم) ففي إضافة القدم تنبيه على أنه يجب أن يخلص له الطاعة كإخلاص الصدق من شوائب الكذب ، وفي التعبير بصفة الإحسان إشارة إلى المضاعفة. نظم الدرر (٤ / ٤٢).