وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١))
قال : «كنت كنزا مخفيّا ، وأحببت أن أعرف» (١).
ثم حثّهم بالتفكر والتذكر بقوله : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) : أي : أفلا تخوضون في بحار الأفكار لتدركوا حقائق الأذكار ، وتبصروا بها حقائق الأنوار ، وتنكشف لكم لطائف الأسرار.
قال بعضهم في قوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) : يختار العبد ما هو خير له من اختياره لنفسه.
ثم بيّن سبحانه أن نفسه تعالى مرجع كل غريق فيه ، ومنجى كل خائف منه ، ومأوى كل هائم له ، وماب كل أواب إليه ، ومقصد كل قاصد إليه ، ومطلب كل طالب له ، ومنتهى همة كل سيّار في أسفار آزاله وآباده بقلبه وروحه وسره إليه بقوله : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) ، كل صفة منه تعالى مراد كل مجذوب بنورها إليه من القدم إلى الأبد ، فمرجع العاشقين جماله ، ومرجع العارفين جلاله ، ومرجع الموحدين كبرياؤه ، ومرجع الخائفين عظمته ، ومرجع المشتاقين وصاله ، ومرجع المحبين دنوه ، ومرجع أهل الفناء ذاته ، أنوار ذاته أوطان أرواح القدسية ، وأنوار صفاته مزار قلوب الوالهة ، وأنوار أفعاله مقرّ عقول الهائمة ، تعالى جلاله عن علة الحدثان والأكوان ، والحدثان يرجع إلى مصرف وجود القدم ؛ لأنها بدت منه ، وإليه تعود ، هو مقدّس بعظمته عن أن يكون محلا للحادث ، وتصديق ذلك بيانه في آخر الاية : (وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) : أبدأهم من العدم بتجلي القدم.
__________________
(١) ذكره العجلوني في كشف الخفاء (٢ / ١٧٣).