أظنّ سليمى خبرت بسقامنا |
|
فأعطتك رياها فجئت طبيبنا |
ففرحت القلوب بسيرها في الوصال بطيب ريح الجمال ، وذلك قوله تعالى : (وَفَرِحُوا بِها) : نشطوا بالله على الله ، فلما سكنوا في مجالس الوصال وتمتعوا بحسن الجمال عادت عليهم غيرة القدم ، وأرادت أن يخرجها من ساحة القدم وبساطين الكرم إلى معادنها من العدم ، وهكذا عادة العشق يذيق العاشق من الفراق بعد ذوق الوصال ، وذلك قوله : (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) ، فتذروها عواصفات قهر الأزل ، وتحيطها أمواج بحار الأبد ، وفارقها طيب ريح الوصال وحسن لطائف الجمال ، وبقيت في أمواج عظمة الكمال.
قال قائلهم :
وبتنا على رغم الحسود وبيننا |
|
حديث كريح المسك شيب به الخمر |
فوسّدته كفّي وبتّ ضجيعه |
|
وقلت لليلى طلّي فقد رقد البدر |
فلمّا أضاء الصبح فرّق بيننا |
|
وأيّ نعيم لا يكدره الدهر |
وأنشد أيضا :
أقمنا زمانا والعيون قريرة |
|
وأصبحت يوما والجفون سواكب |
فلما وصلت القلوب إلى قاموس الكبرياء وكادت تفنى بأمواج البهاء فرّت منه إليه ، واستعاذت من قهره بلطفه بقوله تعالى : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) : دعوا الله بعد استماع مناداة الله بعد التبري من غير الله ، وبذل الموجود لله : (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) : أي : لئن تخلصنا من قهر غيرتك والغرق في بحار ألوهيتك لأننا نحن الحدث والحدث لا يوازي القدم فوفقنا برؤية جمال بقائك لنبقى ببقائك معك في بقائك ، ونشكرك بك لا بنا ، فلو أردت فناءنا كيف نبقى معك؟!
فإذا وجب علينا شكر البقاء مع بقائك وشكرنا معرفة عجزنا عن حمل شكرك ؛ حيث شكرت نفسك بشكرك القديم المنزه عن شكر الشاكرين.
قيل : يسيركم في بوادي الشوق ، وبحار القربة.
(حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) : يعني في القبضة والأسر وهبت رياح الكرم على المريدين الذين هم في الطريق وفرحوا بما يلحقهم من العناية والرعاية جاءتها ريح عاصف أتت عليهم من موارد القدرة ما أفناهم عن صفاتهم ، وحيرهم في طريقهم ، وجاءتهم أمواج القهر ، وقهرهم عملهم.