(وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) : توهموا أنهم من الهالكين في أمواج ، وهم المطهرين الأخيار عن الله ، مخلصين له الدين ، تركوا ما لهم وبهم وعليهم من الاختيار والتدبير ، ورجعوا إلى حل التفويض والتسليم فنجوا.
وقال بعضهم : سير العباد والزهّاد بالأنفس في البر ، وهو الدرجات والمنازل ، وسير العارفين بالقلوب في البحر ، وفيها الأمواج والأخطار ، ولكن سير شهر في يوم :
كدراجة البيوت لهنّ ريش |
|
ولكن لا يطرن مع الحمامة |
وقال بعضهم : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ) هو الصفات ، (وَالْبَحْرِ) استغراقا في الذات (١).
وقال بعضهم : (يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ) الاستدلالات بالوسائط ، (وَالْبَحْرِ) غلبات الحق بلا واسطة.
وقال النوري في قوله : (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) : المخلص في دعائه من لا يصحبه من نفسه شيء سوى رؤية من يدعوه.
(فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣))
(فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
ثم وصف الله سبحانه أهل بحار السكر الذين دعوا بالسكر بعد نجاتهم منه به ؛ لأنهم رجعوا إلى ما لم يكن لهم من كشف الأسرار ، وهتك الأستار بقوله : (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) : فلما نجوا من طوفان الفناء في سطوات الأزل بقوا بنعت السكر في مقام البقاء ، ادعوا الأنائية ، تجاوزوا عن حد العبودية بسكرهم في جمال الربوبية ، ثم خوفهم سبحانه عن ملازمة إحاطة أنوار عظمته عليهم بعد رجوعهم من السكر إلى الظلمة بقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي : يرجع إليكم ما ادعيتم لا إلى القديم ؛ فإنه منزّه عن النظر ، والاتحاد بالخليقة ، وكل ما ذكرتهم من ذكري ودعواكم بقربي في أتم معانيه ، فهو مردود عليكم ؛ فإن ساحة الكبرياء مقدسة عن إدراك الفهوم جلال قدر الأزل ، تعالى الله مما خطر على قلب بشر.
__________________
(١) فيه إشارة إلى أن المسير في الحقيقة هو الله تعالى لا الريح فإن الريح لا يتحرك بنفسه بل له محرك إلى أن ينتهي إلى المحرك الأول الذي لا محرك له ولا يتحرك هو في نفسه أيضا بل هو منزه عن ذلك وعما يضاهيه سبحانه وتعالى ومن عرف ذلك وقطع الاعتماد على الريح في استواء السفينة وسيرها تحقق بحقائق توحيد الأفعال وإلا بقى في الشرك الخفي ، تفسير حقي (٥ / ٢٥٠).