قال الواسطي : البغي يحدث عن ملاحظة النفس ورؤية ما خدع به.
كما قيل لذي النون : ما أخفى ما يخدع به العبد؟ قال : الألطاف والكرامات ، ورؤية الايات.
قال ابن عطاء في قوله : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) : حتى إذا ركبوا مراكب المعرفة ، وجرت بهم رياح العناية ، وطابت نفوسهم وقلوبهم بذلك ، (وَفَرِحُوا) بقصدهم إلى مقصودهم (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) : أفنتهم عن أحوالهم وإراداتهم ، (وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) ، فزالت عنهم أخطار سعيهم ، (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) : تيقنوا أنهم مأخوذون عنهم ، ولم يبق لهم ولا عليهم صفة يرجعون إليها ، وأن الحق خصهم من بين عباده بأن سلبهم عن إياهم ؛ ولأنه لا شيء لهم ولا صفة ، دعوا الله مخلصين له الدين ، صفّى الحق أسرارهم له حتى أخلصوا الدعاء ، وخلصوا له سرّا وعلنا ، فلما نجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق.
(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠))
فلما ردهم إلى أوصافهم وأشباحهم رجعوا إلى ما عليه عوام الخلق من طلب ما يصلح للنفوس ، ثم إن الله ضرب مثلا لمن سلك الطريق بالجهل ، وغير الاقتداء بأهل المعرفة أن جميع سعيه يكون هباء منثورا بقوله : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ).