ويقال : الصراط المستقيم طريق المسلمين ، وهذا للعوام بشرط اليقين ، ثم طريق المؤمنين وهو طريق الخواص بشرط عين اليقين ، ثم طريق المحسنين ، وهو طريق خاص الخاص بشرط حق اليقين ، فهؤلاء ذوو العقل أصحاب البرهان ، وهؤلاء بكشف العلم أصحاب البيان ، وهؤلاء بضياء المعرفة بالوصف كالعيان ، وهم الذين قال صلىاللهعليهوسلم فيهم : «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه» (١).
قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦)).
ثم زاد الله في وصف هؤلاء بالقربة الرفيعة والدرجة السنية ، ومشاهدته الكريمة بقوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) : حسانهم شهود قلوبهم مشاهد قربه تعالى في مراقباتهم وخلواتهم بنعت بذل وجودهم ، والأكوان كلها لأول بوادي حسن تجلي الحق سبحانه ، وما ذكر الله سبحانه من جزائهم بهذه النعوت الحسنى ، وهي إدراكهم إياه كشف نور جماله ؛ لأنهم لو أدركوه بنعوت العظمة هلكوا ، إحسانهم من حسن جمال أرواحهم الناطقة بالكلمات القدوسية ، وحسن الحق من حسن جماله القديم ، يجازيهم بكشف حسنه وجماله ، ثم ذكر زيادة النعم عليهم بقوله : وزيادة الحسنى مشاهدته ، والزيادة وصاله والبقاء معه في مشاهدته.
وأيضا : (الْحُسْنى) النظر إلى جماله ، والزيادة : الاتصاف بصفاته.
وأيضا : (الْحُسْنى) محبته ، (وَزِيادَةٌ) معرفته.
قال الواسطي : معاملة الله على مشاهدة الحسنى الالتذاذ في معاملاتهم ، والزيادة هو النظر إلى الله.
قال الأستاذ : يحتمل أن يكون الحسنى الرؤية ، والزيادة دوامها ، ويحتمل أن يكون الحسنى اللقاء ، والزيادة البقاء في حال اللقاء.
ثم زاد الله ذكر شرفهم بأن غبار العبد لا يلحق جمال وجوههم بقوله : (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) : لا يغشى وجوههم قتر الخجالة ، ولا يلحق وجوههم ذل الفرقة.
ثم زاد في وصف عيشهم بقوله : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) : باقون في أنواع القربات في مشاهدة الذات والصفات.
__________________
(١) رواه البخاري (٤ / ١٧٩٣).