قال بعضهم : كيف تذل وجوه بلقائها الحق منه بالحسنى والإحسان ، وكيف تذل شواهد من شاهد الحق على الدوام ، بل هي على زيادة الأوقات تزيد نورا وضياء وعزّا.
قوله تعالى : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).
وقال الأستاذ : لا يقع عليها غبار الحجاب وبعكسه حديث الكفار ، حيث قال : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠)) ، فالذلة التي لا تصيبهم هي أنهم لا يردون من عز شهوده إلى رؤية غير.
قوله تعالى : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) : أخبر الله سبحانه عن مواطن امتحانه وتمييزه بغيرته القديمة بين الصادق في دعوى محبته وبين الكاذب ؛ لأن الصادق في محبته هناك لا يفرغ من النيران ، ولا يطمع في الجنان ؛ لغلبة شوقه إلى جمال الرحمن ، والكاذب تبدو سرائر ضلاله ، وتنكشف فساد ضمائره بين جميع الخلائق ، فيرد الصادق إلى لطف مولاهم ، ويرد الكاذبون إلى قهر جبارهم بقوله : (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) ، فيبقى للصادقين خصوصية درجاتهم في المحبة والوصال مع حقائق معناهم ، ويضل سعي المرائين الذين يراءون الناس بأعمال الصادقين.
قوله تعالى : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨)).
وأيضا : يمتحن نفوس الحدثان عند بوادي سطوات سبحات جلال الرحمن ، حيث يضمحل الحادث في القديم ، ويبقى القدم للقدم ، ويكون الحدث مقدما في القدم ، قال تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ).
قوله تعالى : (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢)).
قيل : يطالب كل مدّع بحقيقة ما أدعاه.
قوله تعالى : (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) : بيّن سبحانه أن ما يبدو من نور شهوده هو وصف رؤيته وإعلام صفته ، وكشف ذاته بلا شك ولا شبهة ، وذلك قوله : (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) : أي : هو الحق بلا شبه ولا تشبيه ولا تعطيل.
ثم بيّن أن من لم يعرف الأشياء والشواهد بهذه المثابة فهو ضالّ من طريق مشاهدته ، وطريقه عمياء لا يكون الرشد فيها ؛ لأن من احتجب بالكون عن المكون فهو يغيبه في مهمة