إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أطول من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السّماء الى الأرض طرف بيد الله وطرف بيد عترتي ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
قيل لأبي سعيد : ومن عترته؟ قال : أهل بيته (١). والعبارة عنه في الظاهر أنّ المراد أنّ القرآن بمنزلة العقل ، وهم بدون العقل بمنزلة الجسم ، ولا ريب أنّ العقل أكبر من الجسم ، أمّا إذا اعتبرت العاقل فإنّه أكبر من العقل والعقل هنا في هذا المثال هو المرتبة الأولى المعبّر عنها بالمعاني ، وهو جواب آخر لسائر الناس ، وهو أنّ الحكيم لا يخاطب الناس إلّا بما يعرفون ، والذي يعرفونه انّهم (عليهمالسلام) انّما يأخذون من القرآن فيكون هو الثقل الأكبر.
وهو (عليهالسلام) أراد بأهل بيته الذين هم الثقل الأصغر ظاهرهم بين الناس ويريد به مرتبتهم الثالثة كما قرّرنا فلاحظ. وأمّا إنّهم (عليهمالسلام) كتاب الله الناطق والقرآن كتاب الله الصامت كما قال علي (عليهالسلام).
فالمراد أنّ القرآن صامت بالحق لا ينطق بالحق إلّا بحملته فالكتاب ينطق بالحق بلسان حامليه وإلّا فهو صامت ولا ينتفع بالصامت ولا يكون حجّة حال صمته ، فالناطق من هذه الحيثية أفضل لعموم الانتفاع وقيام الحجة به.
وكون أنّه ليس في ذرّات الوجود بعد النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) أعلى رتبة منهم صحيح في المرتبة الأولى ، وأمّا في المرتبة الثالثة فهم يتعلّمون من الملائكة ، ومن سائر الموجودات كما أخبر الميمون عليّا (عليهالسلام) وهو راكب عليه حين حفر المنافقون له حفيرة في الطّريق وغطّوها بالدغل فلمّا قرب منها أخبره حصانه
__________________
(١) الدر المنثور في التفسير بالمأثور للحافظ السيوطي ج ٢ ص ٦٠ ط. مصر.